السجلات بالرقم المدني

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٤/يوليو/٢٠١٦ ١٥:٣٢ م
السجلات بالرقم المدني

علي بن راشد المطاعني

تخطو وزارة التجارة والصناعة خطوات عملية لمعالجة الاختلالات في ممارسة الأنشطة التجارية على نحو يسهم في تنظيف السوق من الشوائب الاقتصادية التي علقت به جراء إتاحة لحرية ممارسة التجارة بدون أي قيود، واستغلال المناخ الاستثماري على نحو خاطئ أسهم في التحايل على الأنظمة في البلاد كتزايد ممارسة التجارة المستترة وجلب القوى العاملة الوافدة والتهرب من الضرائب كأبرز الممارسات الخاطئة التي ترتبت على الفهم الخاطئ للمرونة والتسهيلات وغيرها، انعكست سلبا على الاقتصاد وعلى المجتمع معا، وألحقت أضرارا بالغة في أوصال الحياة الاقتصادية ، الأمر الذي حدا بوزارة التجارة والصناعة استدعاء أصحاب السجلات التجارية والذين يمتلكون أكثر من (50) سجلا فأعلى، للاطلاع على أنشطتهم والتزاماتهم للتأكد من مدى صحة بيانات ومعلومات منشآتهم، ومن فاعلية تلك السجلات ومدى التزامها بالقوانين واللوائح ذات الصلة بعملها التجاري.. وكيفية التعاطي مع هذه الظاهرة التي تحمل وراءها الكثير من الأخطاء يجب معالجتها من كافة الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بمكافحة هذه الظواهر المستشرية التي تنخر في جسد الاقتصاد، وتصحيح الاعوجاج، والعمل على التدقيق على حسابات القوى العاملة في هذه الشركات وتحويلاتها المالية وإيجاد آليات تضبط إيقاعها على نحو يفترض التزامات على هذا النوع من الشركات التي تدار من خلال القوى العاملة الوافدة بنسبة 100 % للأسف، والمواطنون ليس لهم من هذه السجلات إلا الأسماء الفارغة.

فبلا شك أن معالجة مثل هذه الممارسات التي أتاحتها الحرية الاقتصادية في ممارسة الأنشطة التجارية على نحو يحقق المصلحة العليا في البلاد وينظف الأسواق من الممارسات الخاطئة من شأنها أن تزيل كل التراكمات التي تخيم على الأسواق بكل تداعياتها وما يترتب عليها من أخطاء أصبح الجميع يضج منها، ولعل استدعاء وزارة التجارة والصناعة 130 مؤسسة وشركة للتحقيق وللتأكد من فاعلية تلك السجلات ووجود القوى العاملة بها وحصولها على كافة التراخيص التي تثبت مزاولتها لأعمالها بالشكل الصحيح وتحقيقها لنسب التعمين، والتحقق من التزامها بتقديم التقارير المالية السنوية للجهات المعنية خطوة في الاتجاه الصحيح من شأنها أن تضبط إيقاع هذه الممارسات الخاطئة التي أرهقت الاقتصاد من خلال التجارة المستترة وما يتبعها من أخطأ كالتهرب من التعمين عبر تعدد السجلات تحت اسم فرد واحد تعمل تحت مظلة واحدة، فبعض الأفراد لديهم أكثر من 250 سجلا تجاريا. تضم الآلاف من القوى العاملة الوافدة المشرحة وبعضها يعمل تحت غطاء الكفيل النائم للأسف، وتكاثرت هذه الظاهرة بشكل كبير إلى أن أصبح لدينا أجيال تتوارث هذه المؤسسات بدون أي فائدة للمواطن والاقتصاد، مما يستدعي معالجة هذه الاختلالات في ممارسة التجارة في السلطنة على نحو صحيح ويحد من التجاوزات للأنظمة وتفي بالالتزامات التي يتطلب على كل شركة تعمل في هذا الوطن.

إن الأخطاء المستشرية في الأسواق من الظواهر التي يدفع الجميع ثمنها باهظا سواء المواطن أو الاقتصاد أو خزينة الدولة التي تفتقد إلى الإيرادات من الرسوم والضرائب التي يتطلب أن تفي بها هذه الشركات التي يحمل اسمها شخص واحد، في حين تتعدد السجلات لدواعي التهرب من كافة الالتزامات، فاليوم حان الوقت لدمج هذه السجلات وفق الرقم المدني للمستثمر سواء المواطن أو الأجنبي لإظهار الالتزامات التي يجب أن يفي بها، فمثلا مواطن يملك أكثر من 200 شخص سواء مفعلة وعاملة وبعضها غير عامل قد يظهر أشياء كثيرة منها كم مواطن يجب أن يعمل في شركاته وكم نسبة الضرائب التي يجب أن يدفعها لخزينة الدولة، والتحويلات مجتمعة التي تحولها القوى العاملة من مجمل الشركات لإظهار بعض الجوانب الغائبة على الجهات والمجتمع كذلك ليعرف على أهمية الآليات المتبعة لمعالجة هذه الظواهر وخطورتها على البلاد والعباد وتصفية الشركات الجادة التي تضطلع بمسؤولياتها الوطنية.
لعل نظام المحطة الواحدة «استثمر بسهولة» من خلال التقنيات الحديثة أفرز عدد الشركات المملوكة للفرد الواحد، وساهم في إيقاف بعض التعاملات التجارية على بعض الأفراد الذين يمتلكون عددا من السجلات التجارية غير مفعلة والتي لا توظف الشباب العماني، وذلك لتعديل أوضاع منشآتهم، إلا أن ذلك في تقديرنا لا يكفي فهذه الشركات قد استكملت أنشطتها ولا تحتاج لوزارة التجارة والصناعة سواء في إضافة أنشطة أو تغيرها أو أي تعاملات أخرى، بمعنى لديها اكتفاء من الأنشطة ما يحقق أهدافها ومصالحها، إلا أن ضبطها من جهات أخرى كوزارة القوى العاملة من خلال تحديد عدد القوى العاملة والتفتيش على هذه الشركات وضبط تعاملاتها في طلب القوى العاملة أو تحديد البطاقات وغيرها من الإجراءات، ربما تكون أكثر فعالية، وهو ما يتطلب التنسيق بين الجهات الحكومية لضبط هذه الممارسات في المرحلة المقبلة بما يحقق المصلحة العامة.
ومع ذلك تم إعطاء مهلة لهذه الشركات لتصحيح أوضاعها الإجرائية وتعديل أمورها بما يحقق المصلحة العامة ذات الأهمية تمهيدا لتطبيق القانون على المتهربين من الإيفاء بهذه الالتزامات الوطنية. خاصة وأن الوزارة أكدت بأنها إذا ثبت لديها أن السجلات أو الشركات غير عاملة أو تعمل بطريقة تخالف القوانين واللوائح؛ فسوف يتم إيقاف تعاملاتها بوزارة التجارة والصناعة والجهات العامة والخاصة المرتبطة بالنظام الإلكتروني ومن ثم إحالتهم للجهات القضائية لضبط المتهربين من الإيفاء بالالتزامات الوطنية -آنفة الذكر- وفق النظم المحددة.
إن استغلال التسهيلات المقدمة من الجهات الحكومية في الفترات الفائتة للحصول على أكثر من سجل تجاري وتركه بدون استغلال أو لتفادي الالتزام بنسب التعمين أو للتهرب من الضرائب، والدخول في شراكة في عدة سجلات تجارية مع شركاء أقارب أو أصدقاء لا يعفي هذه الشركات وأصاحبها من الالتزامات المترتبة عليها خاصة إذا علمنا بأن هذه السجلات مملوكة فعليا للأجانب والمواطن أقل المستفيدين، فإن العمل على تطبيق الأنظمة التي يتطلب أن تفي بها.
‏بالطبع تمنح وزارة التجارة والصناعة أصحاب السجلات المتعددة غير الفاعلة الفرصة لدمجها أو إلغائها أو بل سهلت عمليات دمج السجلات والمؤسسات الفردية الذي لا يستغرق أكثر من يوم واحد فقط من خلال تقديم طلب من صاحب المؤسسة لدمج سجلاته في سجل واحد وبدون الحاجة إلى نشر إعلانات في الصحف وبرسوم بسيطة لا تتجاوز 5 ريالات لنقل العمال بالتنسيق مع وزارة القوى العاملة في إطار التسهيلات على المؤسسات التي ترغب في الاندماج.
‏نأمل بأن تستمر وزارة التجارة والصناعة في تصحيح أوضاع الشركات العاملة في السلطنة والاستفادة من التقنيات الحديثة في التعرف على أصحابها وما يملكونه من شركات متعددة تهربا من الالتزامات الوطنية كالتعمين والتهرب والرسوم وغيرها من تأثيرات غير متكافئة مع المواطنين الراغبين في ممارسة الأنشطة والتأثير على أنشطة تمكين رواد الأعمال، إلا أن هذه الخطوات تحتاج إلى تعاون الجهات كلها لضبط الأمور على نحو صحيح.