الإبداع التقني ومشكلاته

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/يوليو/٢٠١٦ ٠٩:١٩ ص
الإبداع التقني ومشكلاته

كاليستوس جوما

كثيرا ما يُشاد بالإبداع التكنولوجي باعتباره قوة قادرة على التغلب على التحديات التنموية الكبرى، وتزويد النمو الاقتصادي بالوقود الضروري، ودفع المجتمعات إلى الأمام. بيد أن الإبداعات تواجه على نحو متكرر حواجز مرتفعة تحول دون تحويلها إلى تطبيقات عاملة، فتحظر الحكومات التكنولوجيات الجديدة صراحة في بعض الأحيان - وحتى تلك التي قد تجلب فوائد بعيدة المدى. ولنتأمل هنا المطبعة. كانت هذه التكنولوجيا الجديدة، بين اختراعات أخرى، نِعمة لأديان العالم، التي أصبحت فجأة تملك وسيلة فعّالة لإعادة إنتاج ونشر النصوص المقدسة. ولكن ما الذي قد يجعل أي إنسان يعارض مثل هذه التكنولوجيا المفيدة؟ كما أزعم في كتابي «الإبداع وأعداؤه: لماذا يقاوم الناس التكنولوجيات الجديدة؟»، فإن الجواب ليس ببساطة أن الناس يخافون من المجهول. إذا تمتد جذور مقاومة التقدم التكنولوجي عادة إلى الخوف من أن يؤدي الإخلال بالوضع الراهن إلى جلب خسائر في تشغيل العمالة، والدخل، والطاقة، والهوية. وتنتهي الحال بالحكومات غالبا إلى اتخاذ القرار بأن حظر التكنولوجيا الجديدة أسهل من التكيف معها.

الواقع أن قادة الإمبراطورية العثمانية نجحوا من خلال حظر طباعة النصوص الدينية في تأخير خسائر النساخ والخطاطين (الذين كان أكثرهم من النساء اللاتي حظين بقدر كبير من التمجيد والتبجيل بسبب إتقانهن لهذا الفن). ولكن حماية وظائف العمل لم تكن الدافع الرئيسي وراء قرار الحظر؛ فبدءا من عام 1727 ميلادية، أجازوا طباعة النصوص غير الدينية، برغم الاحتجاجات من قِبَل الخطاطين الذين ردوا على المرسوم بوضع محابرهم وأقلامهم في توابيت والسير إلى الباب العالي في إسطنبول. بطبيعة الحال، لا تبدأ إقامة الحواجز التي تحول دون تنفيذ الإبداع التكنولوجي بالحكومة دائما. فقد يدفع أولئك من أصحاب المصلحة الخاصة حكوماتهم إلى فرض الحظر. وربما يفعلون ذلك من خلال الاحتجاجات، كما فعل الخطاطون العثمانيون، وكما فعل الأيرلنديون الذين عارضوا زراعة البطاطس المعدلة وراثيا في العام 2002، عندما ساروا في شوارع دبلن للتعبير عن معارضتهم لما أسموه «الموت بالطعام الطيب». وربما يوظف معارضو التكنولوجيات الجديدة أيضا التشهير والافتراء، والتضليل، بل وحتى الشيطنة - وهو النهج الذي صادف النجاح بكل تأكيد في الماضي. ففي العام 1674، أصدرت نساء إنجلترا عريضة ضد القهوة، بزعم أنها كانت سببا في العقم، وبالتالي لا ينبغي أن يتناولها سوى من هم فوق سن الستين - والذين كانوا يشكلون سوقا صغيرة للغاية في ذلك الوقت. وفي العام التالي، أمر الملك تشارلز الثاني بإلغاء المقاهي، وإن كان في الأرجح مدفوعا بالرغبة في حماية حصة السوق في المشروبات المحلية، مثل المشروبات الكحولية والشاي الذي كان في ذلك الوقت مشروبا جديدا، وليس الشائعات بشأن العقم في الأساس.

في العقد الأول من القرن التاسع عشر، قادت صناعة الألبان الأمريكية حملة تضليل مماثلة ضد السمن الصناعي، بزعم أنه يسبب العقم، وتوقف النمو، والصلع بين الذكور. وادعى المعارضون الذين سخروا منه بوصفه «زبد الثور» أن السمن الصناعي يحتوي على «لحوم أبقار مريضة ومتعفنة، وخيول وخنازير وكلاب نافقة وكلاب مسعورة، وأغنام قتيلة».
وفي الاستجابة لهذا، فرضت الحكومة الفيدرالية قيودا جديدة على السمن الصناعي تغطي كل شيء من وضع العلامات (كما هي الحال مع الأغذية المعدلة وراثيا اليوم)، واستخدام التلوين الاصطناعي، والنقل بين الولايات. ثم عززت ضرائب جديدة من صدارة الزبد. وفي العام 1886، أعلن أحد نواب الكونجرس من ولاية ويسكونسون صراحة أنه «يعتزم تدمير صناعة هذا المنتج الضار البغيض عن طريق فرض ضريبة عليه تمحوه من الوجود».

أستاذ التنمية الدولية في كلية كينيدي للإدارة

الحكومية في جامعة هارفارد.