خسائر العملة البريطانية «الجنيه» بسبب الخروج

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/يوليو/٢٠١٦ ٠٩:١٨ ص
خسائر العملة البريطانية «الجنيه» بسبب الخروج

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

تتوالى التأثيرات السلبية على الوضع الاقتصادي في بريطانيا نتيجة لقرار الشعب البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي ولو بنسبة قليلة عن النصف في المئة. وقد بدأت المخاوف من تأثيرها على الواقع اليومي في عدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية بدءا بقطاع العقارات، ومرورا بقطاع الأسهم والتجارة، والقوى العاملة، وانتهاء بالأضرار التي لحقت بالعملة الوطنية «الجنيه الإسترليني» الذي كان يعد إلى وقت قريب العملة العالمية الثانية.

لنترك تلك القطاعات ونتحدث عن الجنيه الإنجليزي الذي هبط سعره مقابل الدولار إلى أدنى مستوى له منذ 31 عاما، وبنسبة تزيد عن 15% مقابل الدولار واليورو منذ أن تم الاستفتاء على خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك تؤكد العديد من المصادر بأن المؤشرات الأولى لهذا التراجع للعملة الإنجليزية سيؤدي إلى حدوث تضخم كبير في أسعار منتجات عدة يتم شراؤها من الخارج، الأمر الذي سيؤثر على حياة البريطانيين، وخاصة السياح منهم الذين يتوجهون لقضاء العطلات في دول كإسبانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، باعتبار أن القدرة الشرائية للجنيه الإنجليزي أصبحت تتراجع أمام قيم العملات الأجنبية. ولكن هناك أيضا بعض الإيجابيات في تراجع العملة، باعتبار أن الشركات الصناعية المصدرة للمنتجات والسلع البريطانية ستستفيد من هذا الانخفاض وستزيد من منافستها في الأسواق الأوروبية وفي دول العالم. وهذا الأمر يعتمد على مدى التعاون الاقتصادي الثنائي الذي سينتج لاحقا بين بريطانيا وتلك الدول، خاصة في مدى قدرتها في تسويق وتصدير المزيد من مركباتها في قارة أوروبا، حيث تقوم بريطانيا بإنتاج أكثر من 1.5 مليون سيارة سنويا، ويتم تصدير الجزء الأكبر منها إلى الأسواق الأوروبية. والأخبار الصادرة تشير إلى أن قطاع السيارات بدأ يتأثر منذ صدور نتائج الاستفتاء بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فيما بدأت بعض وكالات التصنيف الائتماني بخفض التصنيف الائتماني لبريطانيا.

إن تراجع العملة البريطانية يحمل جمة من المخاطر للقطاع المصرفي والمالي في تلك الدولة، في الوقت الذي بدأت البنوك الكبرى والمستثمرون من تحذير احتمال تراجع العملة البريطانية أكثر في المستقبل، خاصة وأن معظم العاملين في بريطانيا يحصلون على مخصصاتهم المالية ورواتبهم الشهرية والسنوية بالجنيه الإسترليني، الأمر الذي سيسبب لهم معاناة من انكماش الدخل المتاح لهم، وتراجع قدرتهم عند الشراء والسفر إلى الخارج.
المقابلات التي تم إجراؤها مع المستثمرين والمواطنين في بريطانيا حول تأثيرات العملة البريطانية على أوضاعهم تؤكد أنهم قلقون ويتوقعون أن التراجع سيستمر وسيكون كبيرا خاصة في العام المقبل، في الوقت الذي توقعت بعض الوكالات المصرفية في العالم قبل بدء الاستفتاء بأن العملة البريطانية ستتراجع في حالة قرار بعدم البقاء في الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الصدد فقد أشار بنك ستاندرد تشارترد البريطاني مؤخرا إلى أن تراجع قيمة الجنيه يمثل الخطر الحالي أمام بريطانيا، ويرى وجود ثلاثة عوامل رئيسية ستقود الجنيه الإسترليني لمزيد من الضعف وهي المخاطر السياسية الاستثنائية، والرياح الاقتصادية المعاكسة وأخيرا اضطراب الأسواق المالية وآفاق الاستثمار الأجنبي. ويتوقع البنك أن بريطانيا ستواجه مهمة شاقة في حماية العناصر الأساسية التي تضمن وصول بريطانيا إلى سوق الاتحاد الأوروبي الموحدة، فضلا عن نظام جواز المرور الحالي، الذي يسمح للشركات البريطانية بالعمل في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن انقسام الحزب الحاكم على القائد الجديد لتصريف الأعمال، وإمكانية استفتاء ثان لاستقلال اسكتلندا عن بريطانيا العظمى يضاف إلى المخاطر السياسية. وهذا الأمر -بلا شك- سيؤدي إلى تراجع قيم الاستثمارات الأجنبية إلى بريطانيا خلال المرحلة المقبلة، خاصة وأن عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي المحتمل، وكذلك العجز الهائل في الحساب الجاري لبريطانيا يعد من العوامل التي ستؤدي إلى استمرار تراجع العملة البريطانية، وبالتالي سيؤثر على ثقة المستثمرين الذين سيعملون على نقل أموالهم إلى ملاذات أكثر جدوى وأكثر أمانا، خاصة أن البعض منهم بدأ بسحب أموالهم من صناديق الاستثمار التي تعمل في العقارات البريطانية.

هناك اليوم مستويات مرتفعة من عدم اليقين لدى الكثير من المتعاملين في السوق البريطاني نتيجة للاستفتاء الأخير حول مستقبل علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، الأمر الذي إلى أدى إلى سحب الأموال من بعض هذه الصناديق. كما أن التنبؤات المتشائمة للجنيه الإسترليني أضحت اليوم حقيقة لا مفر منها، بحيث تتعرض الشركات البريطانية المحلية والبنوك والمتاجر والعقارات إلى ضربة قاسية لتصريف ما لديها ومواءمة للوضع الاقتصادي الجديد. ويمكن القول اليوم بأن استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي كانت فعلا ضربة قوية لبريطانيا واقتصادها، كما أن له مخاوف أيضا على دول أخرى.