غزة – ش
لا يكفي قطاع غزة ما يعانيه من حصار، وحرب تشن عليه من حينٍ إلى آخر، بل ثمةَ آثار تترتب على سكانهِ، تتمثلُ في انتشار الأمراض، ومنها الأخطر على الإطلاق السرطان الذي ينتشر في القطاع المحاصر بسبب الأسلحة الإسرائيلية المستخدمة في الحروب.
وفي سياق ذلك؛ أكدت لجنة طبية فلسطينية متخصصة في غزة أن القطاع يحتل المركز الأول عالميا في نسبة المصابين بمرض السرطان، فقد ذكرت مصادر في وزارة الصحة الفلسطينية بغزة بأن عدد المصابين بمرض السرطان والمسجلين بالوزارة في القطاع يتجاوز 15 ألف شخص.
وقال المصدر إنه يتم تشخيص أكثر من 100حالة إصابة جديدة بالسرطان شهريا ويُتوقع أن تزيد حالات الإصابة بالسرطان الجديدة عن 1500 حالة سنويا، أي إن هناك زيادة بمعدل من 10إلى 12 % كل سنة.
وسجلت وزارة الصحة أرقاماً متباينة على مستوى التوزيع الجغرافي للمصابين بالسرطان من محافظة لأخرى؛ إذ حوت محافظة غزة نسبة 44.2% من إجمالي الإصابات، علماً أنها كانت الأكثر تعرّضاً للغارات الجوية خلال الحروب الثلاثة، تلتها محافظة خانيونس بنسبة 17%، ثم المحافظة الوسطى بنسبة 13.3%، ثم محافظة الشمال بنسبة 12%، وأخيراً محافظة رفح بنسبة 11.3%، وتتوافق هذه الأرقام مع نصيب هذه المحافظات من القصف الإسرائيلي في الحروب الأخيرة.
وتظهر إحصائيات وزارة الصحة أن معدل إصابة الذكور بالسرطان هو 46 مصاباً لكل 100.000 من الذكور، في حين أن معدل الإصابة لدى النساء هو 53 امرأة لكل 100.000 من النساء، كما يعتبر سرطان "الثدي والقولون والرئة" الأكثر انتشاراً بغزة.
وقال المصدر الطبي إن السبب الرئيسي في انتشار المرض هو الأسلحة الإسرائيلية التي استخدمها جيش الاحتلال خلال حروبه على غزة خلال السنوات الـ 10الأخيرة، واستخدامه أسلحة تحتوي اليورانيوم المنضب وإشعاعات وغازات حديثة تجري تجربتها لأول مرة في الحروب، وأكد المصدر أن هذا السبب ليس سببا وحيدا في انتشار السرطان بهذا الحجم الخطير، إذ يضاف إلى ذلك الأسمدة والمبيدات الحشرية المستوردة من إسرائيل للاستخدام الزراعي وفيها الكثير من المواد المسرطنة. ومنذ العام 2008 وحتى الآن واجه قطاع غزة ثلاث حروب ضارية، إذ كانت الثانية في العام 2012، ولم يمض سوى عامين حتى شنت إسرائيل الحرب الثالثة في العام 2014، خرجت منها بحصيلة مروعة من القتل والتدمير.
من جانبه؛ قال تجمع الشخصيات الفلسطينية: "في ظل تلك المأساة التي تعصف بأهل غزة تجد صمتاً غريباً عن الكشف عن أسباب تفشي ذلك المرض الخبيث، أو العمل الجاد للحد من انتشاره في غزة". واتهم التجمع الاحتلال الإسرائيلي وجيشه بالمسؤولية الأولى عن تفشي مرض السرطان بين سكان غزة، مؤكداً أن الأسلحة المحظورة التي تم إلقاءها على القطاع خلال الحروب الأخيرة ساعدت بالتلوث البيئي، وانتشار المرض بين فئتي "الأطفال والشباب".
وتدلّ المعطيات من وزارة الصحة الفلسطينية على تباين كبير جداً بين أعداد المصابين بمرض السرطان قبل اندلاع الحروب الثلاث على قطاع غزة؛ فقبل حرب 2008 بلغ عدد المصابين سنوياً 945 مصاباً، أي 65 إصابة من بين كل مئة ألف مواطن، في المقابل، وخلال العام 2014، سجّلت 1502 حالة إصابة بالمرض؛ أي بمعدل 83.9 مصاباً بين كل مئة ألف مواطن هناك، في حين سجل 2015 ارتفاعاً خطيراً في عدد المصابين الذي تجاوز الـ1600، ما يبين الزيادة السريعة والمطردة للإصابة بالمرض، على خلاف المعدلات السنوية السابقة لحرب 2008.
وعزا الدكتور خالد ثابت، رئيس قسم الأورام في مستشفى الشفاء الحكومي بمدينة غزة، الارتفاع الذي سماه بـ"الخطير" لحالات الإصابة بمرض السرطان في القطاع، إلى الأسلحة ومخلفاتها التي استخدمها الاحتلال في الحروب الأخيرة على قطاع غزة، خاصة "اليورانيوم".
وأكد ثابت أن مخلفات الحروب وإلقاء الاحتلال أكثر من 70 طناً من "اليورانيوم" على غزة، والإصابات المباشرة وغير المباشرة التي تعرض لها سكان غزة نتيجة تلك المواد، وأثرها على البيئة والتربة الزراعية والمياه، أثرت بشكل كبير على المواطنين، وساهمت في انتشار المرض، فضلاً عن أن غزة لا تملك مستشفيات متطورة يمكن أن تساعد في التخفيف من انتشار المرض أو حتى علاج المصابين.
وأوضح أن 60% من خدمات العلاج الكيميائي والإشعاعي غير متوفرة في غزة، وأن أكثر من 30% من الجراحات لمرضى السرطان يتم تحويلها إلى الخارج لعدم توفر الإمكانيات.
وذكر أن هناك أسباباً أخرى تؤدي لانتشار "مرض السرطان" بين السكان؛ منها أن القطاع يحتوي على أعلى نسبة كثافة السكانية على مستوى العالم، إضافة إلى استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الخطيرة والسامة في زراعة المحاصيل.
ولفت الدكتور ثابت إلى أن الحالات المصابة بالأورام الخبيثة كانت من تأثيرات حرب 2008، وأنهم الآن يتخوّفون من أن يرتفع عدد الحالات المصابة بالسرطان؛ نتيجة تأثر السكان بالحربين الأخيرتين "2014،2012"، على غزة، مشيراً إلى أن الصحة الفلسطينية تتوقع مضاعفات خطيرة خلال الأشهر المقبلة.
يذكر أن المشافي والمراكز العلاجية في قطاع غزة تمتلك إمكانيات محدودة، "لتشخيص ومعالجة ومتابعة" المصابين بأمراض السرطان؛ ما يضطر وزارة الصحة بغزة إلى تحويل آلاف الحالات للعلاج بالخارج "الضفة-الداخل المحتل-دول عربية"، فتبدأ هنا رحلة معاناة جديدة بسبب الحصار وإغلاق معابر غزة، قد يدفع مصابو "الأورام الخبيثة" حياتهم ثمناً وهم ينتظرون الموافقة وتصريح المرور للسفر.