تحفيز اقتصاد أوروبا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٢/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٤٥ ص
تحفيز اقتصاد أوروبا

لورا تايسون

منذ فترة ليست بالطويلة كان مفهوم قيام البنك المركزي الأوروبي بتوزيع النقود على الحكومات أو مباشرة للمواطنين – ما يطلق عليه إسقاط "أموال الطائرات المروحية "- يبدو كمفهوم غريب تماما ولكن اليوم فإن هناك عدد كبير من الإقتصاديين الذين ينتمون للإتجاه السائد في الإقتصاد والسياسيين الوسطيين الذين يؤيدون فكرة التمويل النقدي لإجراءات التحفيز بأشكال مختلفة .
إن هذا يمثل تغيير نحتاجه بشدة في المحادثات حيث آخيرا سيتم التركيز على تحفيز جانب الطلب من الإقتصاد الأوروبي فبعد سنوات من النمو الراكد والبطالة الشديدة فإن جميع الخيارات مهما كانت غير تقليدية مطروحة على الطاولة .
إن قرار المملكة المتحدة بالخروج من الإتحاد الأوروبي نتيجة الاستفتاء الذي جرى مؤخرا يقوي من الطرح المتعلق بمزيد من التحفيز والأساليب غير التقليدية في أوروبا. فعلى الرغم من التخفيف الكمي الجريء وأسعار الفائدة المنخفضة بشكل قياسي فإن الضعف الشديد للطلب يستمر في إضعاف نمو الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا علما أنه في عدة دول من دول الإتحاد الأوروبي فإن أكثر من ربع السكان عانوا من البطالة لحوالي عقد من الزمان.
إن موجة الإستثمار التجاري والذي كان من المفترض ان تنطلق بسبب مزيج من الإنضباط المالي (الحد من الدين الحكومي ) والتخفيف النقدي (أسعار الفائدة المنخفضة جدا) لم تحدث على الأطلاق وعوضا عن ذلك قامت الشركات الأوروبية بتخفيض الإستثمار السنوي بإكثر من 100 بليون يورو ( 13 بليون دولار أمريكي) سنويا من 2008 وحتى 2015 وتجميع حوالي 700 بليون يورو من النقد على ميزانياتها .
إن التقشف المالي وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية أثبتت عدم فعاليتها في تحفيز الطلب المنزلي ويمكن أن تأتي بنتائج عكسية. عندما لا يستطيع الأفراد العثور على عائدات جيده فإنه من الممكن أن يزيدوا من مدخراتهم من أجل تحقيق أهداف التقاعد.
لقد حان الوقت للإقرار بحدود السياسة الحالية وطبقا للظروف المحفوفة بالمخاطر اليوم ، فإن بالإمكان دعم الطلب بشكل أفضل من خلال إستراتيجيات تختلف عن التخفيف الكمي وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية وبالإضافة إلى ذلك فإن المقاربات البديلة لتحفيز الطلب الخاص لديها عدد أقل من العواقب التوزيعية غير المرغوب بها كما ذكرت مؤسسة مكنزي جلوبال.
إن أنصار أموال الطائرة المروحية –أي تقديم الأموال بشكل مباشر للمواطنين من أموال البنك المركزي أو تقديم الأموال لوزارات المالية في الدول لتمويل البنية التحتية والنشاطات الأخرى التي تعزز من الطلب- يجادلون وهم محقون بذلك بإن ميزة تلك المقاربة أنها تضع الأموال بشكل مباشر في أيدي أولئك الذين سوف ينفقونه . إن وجود برنامج أموال الطائرة المروحية بحجم مناسب يمكن أيضا أن يرفع التضخم بطريقة مدروسة مما يجنبنا إمكانية حصول فخ الإنكماش على الطريقة اليابانية .
إن تعزيز الطلب يمكن أن يعطي البنوك المركزية الوسيلة التي تحتاجها من أجل إعادة أسعار الفائدة إلى معدلاتها التاريخية وهذا يمكن أن يفرغ فقاعات الأصول الناشئة والتي قد تتشكل ويخفف الضغوط على المؤسسات الإستثمارية التي تجد من الصعوبة بمكان العثور على عوائد لتبلية إلتزاماتها المتعلقة بالتأمين والتقاعد.
لكن برنامج أموال الطائرة المروحية – فكرة خيالية عندما أقترحها ميلتون فريدمان سنة 1969- يعتبر كذلك تغييرا راديكاليا لصناع السياسات حيث يتطلب الكثير من الحذر فيما يتعلق بفهم المواطنين والمستثمرين وثقتهم بالإضافة إلى هياكل الإدارة القوية .لكن هناك طريقاً أخر أقل مخاطرة وتمت تجربته من أجل تحفيز الطلب وهو تحقيق زيادة كبيرة في إستثمارات البنية التحتية التي يمولها الدين الحكومي.
لكن الحكومات في طول أوروبا وعرضها قد خفضت من الإنفاق على البنية التحتية لسنوات حيث فضلت التقشف المالي وتخفيض الدين على أساس الإعتقاد الخاطىء بإن الإقتراض الحكومي يزاحم الإستثمار الخاص ويخفض النمو ولكن منطق المزاحمة ينطبق فقط على شروط التوظيف الكامل وهي شروط من الواضح أنها لا تتوفر في معظم أوروبا اليوم .
بالإضافة إلى ذلك فإن الإستثمار في البنية التحتية لا يمكن تأجيله للإبد . إذن نحن بحاجة لحساب جديد يأخذ بالإعتبار التكاليف الكاملة لنقص الإستثمار وذلك من ضياع فرص التوظيف والنمو.
إن إحدى الوسائل لكسر الجمود هو تغيير مقاييس المحاسبة العامة وعلى وجه الخصوص لو إستطاعت الحكومات التعامل مع الإستثمار في البنية التحتية مثل كيفية تعامل الشركات مع الإنفاق الرأسمالي- كأصول ميزانية يتم إستهلاكها خلال دورة حياتها عوضا عن نفقات لمرة واحدة- فإن مثل هذا الإستثمار يجب أن يعفى من أحكام العجز الخاصة بأوروبا بدون فتح الباب للإنفاق المسرف.
نحن بحاجة لتفكير جديد فيما يتعلق بالإصلاحات الهيكلية فلعقود عديدة ركزت مناقشات الإصلاحات في الإتحاد الأوروبي على التقليل من أحكام وقواعد سوق العمل والتقليل من الروتين في أسواق المنتجات وتخصيص المؤسسات المملوكة للحكومة وتخفيض معدلات الضرائب ولكن الإصلاح يجب أن يعمل جاهدا على تعزيز الطلب فعلى سبيل المثال التركيز على الإقتصاد الذي يتعامل مع الشيخوخة السكانية وتعزيز التعليم الرقمي والإبتكار وفتح أسواق الأراضي الحضرية من أجل تمهيد الطريق لإستثمارات مطلوبة بشدة في مجال الإسكان.
إن إي من تلك الخيارات سيتطلب مناقشات جدية وبحث عميق ولكن من الواضح أن أوروبا بحاجة إلى مجموعة أكبر من خيارات السياسات . إن التخفيف الكمي وأسعار الفائدة المنخفضة جدا يجب أن لا تكون الأسهم الوحيدة في جعبة سياسة الإقتصاد الكلي. إن الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي هو تحذير مسبق لصناع السياسة الإقتصادية في أوروبا. إن الأوقات غير التقليدية تتطلب النظر في سياسات غير تقليدية وشجاعة.

لورا تايسون أستاذة في كلية هاس لإدارة الأعمال في جامعة كالفورنيا في بيركلي، والمديرة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة الرئيس بيل كلينتونز