ترودي روبين
ربما يكون من المفيد أن نراقب عن كثب النقاش الأوروبي حول قضية الهجرة، ما قد يجعل الأمريكيين يدركون كم هم محظوظون. وباعتبار أمريكا بلد مستقبل للمهاجرين، لدينا قدرة مؤكدة على استيعاب القادمين الجدد، بما في ذلك من الدول الإسلامية (وبوسعنا أن نحل مشكلة المهاجرين غير الشرعيين من الحدود الجنوبية إذا تعاون الحزبان).
أما أوروبا فقد فشلت في دمج أجيال من المهاجرين المسلمين، وكثير منهم لا يزالون يعيشون في معازل ويخضعون لسطوة المتشددين. وبطبيعة الحال فقد غمرت القارة الآن بأكثر من مليون لاجئ فروا من الصراعات في الشرق الاوسط. وقد ساعدت هذه الموجات، جنبا إلى جنب مع العديد من الهجمات الإرهابية، في صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية في جميع أنحاء أوروبا فماذا يمكن فعله؟ طرحت هذا السؤال على قائد شرطة بروكسل، سعد العمراني، الذي التقيت به في المنتدى العالمي للجنة اليهودية الاميركية 2016، وهو بلجيكي من أصل مغربي. ويجسد عمران قصة نجاح المهاجرين الأوروبيين التي قلما تسلط عليها الأضواء.
يقول عمران: التطرف يرتبط بنهج الرفض والإنكار، ومن الممكن أن نتحدث عن قضايا معينة دون انتقاص أو وصم للجميع، ولكن هذا لا يحدث، وبعبارة أخرى فمن الممكن أن نلقي نظرة فاحصة على المشاكل داخل أحياء المهاجرين في أوروبا، بما في ذلك المتشددين، دون وصم جميع المسلمين أو دينهم.
الواقع أن هذا ما يجب القيام به لمنع وقوع نفس الأخطاء مع اللاجئين الجدد. لقد نشأ العمراني في المغرب وهاجر مع عائلته إلى بلجيكا، وكان والده يعمل في مصنع للطباعة ووالدته معلمة، لكنهما وضعا كافة مواردهما في تعليمه. غير أن الكثير من المهاجرين المسلمين لا يتخطون حدود الأحياء التي يعيشون فيها. ومع ذلك، فعلى مدى السنوات ال 40 الفائتة لم تبذل الدول الأوروبية الكثير من الجهد فيما تحولت أحياء المهاجرين الى تركيبات دائمة، وكانت تفضل أن تنظر في الاتجاه الأخر فيما كان التشدد الديني يضرب بجذوره.
ووفقا لعمراني فإن بعض الجهات السياسية اعتقدت أنه من غير المناسب توجيه إدانة ومن ثم اختاروا الصمت، واعتقدوا أن الأشخاص الذين حصلوا على وظائف أو رعاية اجتماعية سوف يندمجون في نهاية المطاف ويحترمون التوازنات الأساسية بين المجتمعات. ولم تقم الحكومات الأوروبية بشئ لتوجيه الأموال القادمة من دول الشرق الأوسط لنشر التشدد الديني، بينما كان للانترنت دوره في تضخيم تلك الرسالة.
ومع توسع الاتحاد الأوروبي، حذر مسؤولون أمنيون – مثل عمراني – أنه سيكون هناك مشاكل تتعلق بتوجهات وأنماط عيش المهاجرين، حتى قبل أن يتم اغراء الآلاف من الشبان المسلمين الأوروبيين بالانضمام الى داعش للقتال في سوريا.
وفي كلمته في منتدى اللجنة اليهودية الأمريكية قال عمراني: لقد فشلنا في تمكين المسلمين أصحاب النهج المعتدل في أوروبا. ومن بين الوسائل الواضحة لمساعدة تلك الأغلبية الصامتة دعم التعليم والخدمات.
ولكن العكس هو ما يحدث، كما شاهدت بنفسي في شهر مارس عندما زرت مولينبيك، وهو حي في بروكسل اختبأ فيه بعض المسلحين الذين نفذوا اعتداءات في باريس. وقال سكان لي أن مدارسهم تفتقر إلى الكتب والمعلمين.
بل ان عمراني اشتكى أن بلدية مولينبيك مفلسة، وأنها سوف تبدأ في خفض الموارد الخاصة بالتعليم والخدمات، وهنا يأتي دور الاتحاد الأوروبي لتولي القيادة ، ولكن بدلا من ذلك ينفق ملايين اليورو على المشاريع التي لا تمت لذلك بصلة. ما يقودنا الى السؤال حول ما يمكن للاتحاد الأوروبي، وماذا يجب عليه، القيام به الآن.
يقول عمراني أن الاتحاد الأوروبي لم يعالج مسألة الهجرة ولم يتفق مطلقا على نهج طويل الأمد لحل تلك القضية، وأعني أن يوضح للقادمين الجدد ضرورة التكيف مع ثقافة بلدانهم الجديدة، وان مثل تلك القواعد يجب الإلتزام بها.
ويذكر عمراني أن هناك من هؤلاء المهاجرين من ليس لديه أدنى فكرة عما تتوقعه منه البلدان الأوروبية، وهناك نسبة بطالة 10 في المائة، وحتى بعد مرور 40 عاما لم يتم دمج هؤلاء المهاجرين.
وأعتقد أن هذه النقطة المهمة التي يطرحها عمراني يجب أن تؤخذ مأخذ الجد ، فهؤلاء القادمين من ثقافات تقليدية تقمع النساء عليهم تقبل ثقافة أوطانهم الجديدة، أو مواجهة عواقب وخيمة. ويستشهد قائد الشرطة بحادث قيام مجموعة من المهاجرين الأفغان بضرب امرأة سورية في ألمانيا لأنها لم تكن ترتدي الحجاب. ويتمنى لو رأى الاستثمار في موارد كبرى في الاتحاد الاوروبي تهدف الى مساعدة المواطن المسلم العادي، وبخاصة إنشاء مدارس لائقة في أماكن مثل مولينبيك. "علينا أن نصل إلى الأغلبية الصامتة التي تشعر بالخوف لأن نتائج تصرفات عائلات المتشددين تطالهم. ويخطط عمراني لمشروع مشترك قريب مع جامعة روتجرز لابتكار طرق جديدة لحماية الجاليات المهاجرة الضعيفة مثل مولينبيك، إلا أنه أعرب عن تخوفه أنه وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن تولي أوروبا اهتماما كافيا لدمج المهاجرين الجدد من الشرق الاوسط. ومع الامل يظل الترقب والخوف من ارتكاب نفس الاخطاء التي ظلت طوال الـ 30 الفائتة .
عضو أسرة تحرير وكاتبة مقال رأي بصحيفة فلادلفيا انكوايرر