التفاعلية والصحافة الجديدة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠٥ ص
التفاعلية والصحافة الجديدة

أ.د. حسني نصر

يتفق جميع من يعملون في الصحافة الإلكترونية على أن التفاعلية هي أهم سمة تميز هذا النوع الجديد من الصحافة عن غيرها من وسائل الإعلام الأخرى. ففي الصحافة الإلكترونية لا ينهي الصحفيون عملهم فور نشر موضوعاتهم أو إذاعتها، ومن ثم الانتظار لإنجاز عمل اليوم التالي، وإنما يبقون بعد النشر أو الإذاعة على اتصال مستمر مع قرائهم الذين يرتبطون بهم بعلاقة متبادلة. ولذلك تعد التفاعلية من أبرز جوانب الاختلاف بين الصحافة الإليكترونية ووسائل الإعلام الأخرى. وتتيح هذه الخاصية الحصول على رجع صدى فوري ومباشر ووجهات نظر القراء وتعقيباتهم فور النشر.
ورغم أن كتاب ومحرري الصحف الورقية يتلقون على الدوام رسائل من القراء، وربما اتصالات هاتفية ورسائل بالبريد الإلكتروني تعليقا على ما نشروه من أخبار أو موضوعات أو مقالات في صحفهم، فإن هذا لا يمكن مقارنته بما يتلقاه كتاب ومحرري الصحف الإلكترونية من أسئلة وتعليقات وربما مقالات وقصص مضادة لقصصهم ووجهات نظرهم سواء عن طريق البريد الإليكتروني الخاص بكل كاتب ومحرر أو على البريد الإلكتروني للصحيفة أو عبر منتديات الحوار داخل الموقع أو خارجه، وكذلك المدونات ومواقع التدوين القصير، وشبكات التواصل الاجتماعي التي تحرص كل الصحف حاليا ومنها صحيفة الشبيبة على استخدامها للترويج لموضوعاتها وتسهيل وصول القراء إلى موقعها الإلكتروني والتفاعل معها.
وإذا كانت رسائل القراء أكثر استخداما في الصحف الورقية المحلية، فإن التفاعلية تبدو أكثر استخداما أيضا في المواقع ذات الطابع المحلي وأكثر أهمية للصحفيين والكتاب في هذه المواقع للبقاء على تواصل دائم مع اهتمام القراء المحليين. أما على المستوى القومي والدولي فان التفاعلية تعطى مساحة واسعة للقراء- لم يكن من الممكن تخيلها من قبل- للتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم فيما تنشره وسائل الإعلام الإلكترونية.
وتتحدد مزايا التفاعلية في الصحافة الإلكترونية في زيادة قدرة الصحفيين على معرفة استجابة وردود أفعال القراء على الطريقة التي يتم بها تغطية الأخبار وتقديم المعلومات، وإرشاد الصحفيين أثناء إعداد الموضوعات إلى النقاط المهمة التي يجب أن يولوها اهتمامهم، بالإضافة إلى توليد أفكار جديدة للموضوعات الصحفية، وتوفير مصادر جديدة لإعداد الموضوعات الصحفية والحصول على الأخبار.
لقد أضافت التفاعلية أبعادا جديدة إلى العملية الإخبارية. والواقع أن سمة التفاعلية في الصحافة الإلكترونية جاءت لتعالج مشكلة تراجع دور الصحافة في ترتيب أولويات القضايا في المجتمع خاصة في مجتمعات العالم المتقدم. فقد لوحظ في السنوات الأخيرة تراجع هذا الدور إلى حد كبير في وسائل الإعلام التقليدية لحساب التركيز على متابعة الأحداث اليومية من زوايا مختلفة، وهو ما أدي إلى انعزالها عن القارئ العادي وبالتالي انخفاض عدد قرائها.
في هذا الإطار يمكن القول إن الصحافة الإلكترونية بما توفره من إمكانات تفاعلية يمكن أن تعالج القصور الذي تعاني منه الوسائل التقليدية في علاقتها بالجمهور. فالصحافة الإلكترونية بفضل هذه السمة توفر للجماهير المعزولة المشاركة في عملية إنتاج وتبادل المعلومات والآراء بما يحقق ما يطلق عليه "المشاركة في القوة". ويؤدى ذلك على المدى الطويل إلى المساهمة الجماهيرية في ترتيب الأولويات ووضع الأجندة نتيجة إتاحة الفرصة أمام الجماهير لإبداء الرأي في طريقة تناول الأحداث والقضايا المختلفة في المجتمع، وهو ما يختلف جذريا عن وسائل الإعلام التقليدية التي تعتمد على مقولة إن عليها أن تحدد للجماهير ما تفكر فيه وإن دورها هو الأساس في ترتيب أولوياتهم.
إن الاتجاه المسيطر على الصحفيين في الصحف الورقية هو إعداد القصص الصحفية ونشرها دون أية مشاركة من الجمهور، أما في الصحافة الإليكترونية فإن ردود فعل الجمهور على القصص السابقة وما يقدموه من معلومات وآراء في تعقيباتهم على هذه القصص تلعب دورًا مهمًا في إعداد القصص والموضوعات الجديدة. ويشعر صحفيو المواقع الإلكترونية سواء كانت تابعة لصحف ورقية أو كانت صحف الكترونية ليس لها أصل ورقي، بالتقدير لآراء القراء حتى وإن كانت سلبية. وخلاصة القول إن الصحفيين الإلكترونيين يقدرون كثيرًا فكرة التبادل والأخذ والعطاء مع جمهورهم والحصول على ردود أفعال تمكنهم من تجويد أعمالهم الصحفية، وربما تصحيح معلوماتهم والاستفادة من النقد الذي يوجهه القراء إليهم وإلى موضوعاتهم.
إن التفاعلية بالإضافة إلى سمات الصحافة الإلكترونية الأخرى مثل سرعة التحديث للأخبار وربط الموضوعات بعضها ببعض تجعل من الصحف والمواقع الإلكترونية الإخبارية على شبكة الويب وسيلة إعلامية مختلفة ومتميزة عن وسائل الإعلام التقليدية، وهذا ما يلقى بتبعات على الصحفيين العاملين فيها لعل أهمها ضرورة التفكير بطرق جديدة، واستخدام مداخل جديدة سواء في جمع الأخبار والمعلومات أو في تقديم تلك المعلومات للجمهور بطريقة تناسب خصائص تلك الوسيلة وتستفيد من جميع الإمكانات التي توفرها.
ولعل أول ما يجب أن يضعه الصحفيون في الصحافة الإلكترونية في الاعتبار هو ضرورة تخطي قيود الصحافة التقليدية. ويبدو هذا على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للصحفيين الذين انتقلوا من العمل في الصحف ووسائل الإعلام التقليدية إلى العمل في الصحافة الإلكترونية، إذ أن عليهم أن يتجاوزوا إشكالية التفكير في بيئة الصحافة الورقية التقليدية والتفكير في الاستفادة من البيئة الإلكترونية الجديدة في إعداد موضوعاتهم وحتى في الاتصال بالمصادر. وإذا كان من الصعب إقناع قطاع كبير من هؤلاء الصحفيين الذين نشئوا وترعرعوا في ظل الثقافة المهنية الورقية، فإن الأمل في الجيل الجديد من الصحفيين المتشبعين بالثقافة الإلكترونية الذين بدأوا حياتهم المهنية في الصحافة الإلكترونية، وليس لديهم ارتباط فكرى قوى بأساليب الصحافة الورقية، ويؤمنون إيمانا راسخًا بأن جمع وتحرير وكتابة الموضوعات للصحافة الجديدة يجب أن تكون متميزة عن نظيرتها في الصحافة الورقية.

أكاديمي في جامعة السلطان قابوس