الصندوق الذي صَرَخ "الذئب"

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/يوليو/٢٠١٦ ٢٢:٤٩ م
الصندوق الذي صَرَخ "الذئب"

هاورد ديفيز

إذا بحثت في جوجل عن تقرير صندوق النقد الدولي بشأن الاستقرار المالي العالمي الصادر في إبريل 2006، سيسألك محرك البحث لفائدتك ما إذا كنت تبحث في واقع الأمر عن نسخة إبريل لعام 2016 من التقرير. وأنا على يقين من أن صندوق النقد الدولي لن يسعى أبدا إلى التلاعب بمحرك بحث، ولكن أستطيع أن أتخيل مدى سعادة مسؤولي العلاقات العامة في الصندوق إذا كان أقل عدد ممكن من الناس قادرين على الوصول إلى نسخة 2006. والحق أن ذلك التقرير لم يكن واحدا من أكثر منشورات صندوق النقد الدولي بصيرة.
تَصَادَف صدور التقرير مع ظهور أول الشكوك بشأن سوق الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة، وقَدَّم صورة وردية للحاضر والمستقبل. صحيح أن معدي التقرير تناولوا ما إذا كانت اختلالات التوازن العالمية، والرهن العقاري الثانوي، والمشتقات المالية تشكل تهديدا للاستقرار المالي. ولكنهم لم يجدوا في ما رأوا ما يثير الانزعاج.
ففي سوق الرهن العقاري، رأى صندوق النقد الدولي آفاق الهبوط الناعم. وتصور أن اختلالات التوازن العالمية سوف تتبدد تدريجيا. كما أثنى على قدرة الأسواق والشركات المالية في الولايات المتحدة على خلق أدوات مبدعة مبتكرة "لاجتذاب وصيانة مستويات عالية من تدفقات رأس المال". بل إن التقرير وصف الأسواق الأميركية بأنها "عميقة، ومرنة، ومتطورة، وجيدة التنظيم في عموم الأمر".
لكن سوء التقدير الأشد بروزا يتجلى في المناقشة الدائرة حول نقل مخاطر الائتمان. فقد خلص صندوق النقد الدولي إلى أن "انتشار مخاطر الائتمان على نطاق أوسع أزال المخاطر التي يواجهها القطاع المالي". ونتيجة لهذا، ينبغي للبنوك أن تصبح أكثر مرونة واستقرارا من الناحية المالية، ولابد أن تكون العواقب المترتبة على ذلك مرئية في إفلاس عدد أقل من البنوك وتوفير الائتمان بشكل أكثر اتساقا. لقد دخلنا عصرا حيث قد تكون البنوك التجارية أقل عُرضة لمخاطر الائتمان أو الصدمات الاقتصادية".
لم تكن هذه أروع لحظات صندوق النقد الدولي. ويذكرني هذا بتعليق جون كينيث جالبريث الساخر الشهير: "لم توضع التوقعات الاقتصادية على الأرض إلا لكي يبدو المنجمون في مظهر أنيق". وعلى هذا، فربما ينبغي لنا أن نتعامل بتحفظ مع تقارير صندوق النقد الدولي الأحدث، الذاخرة بتحذيرات قاتمة. ولن يكون من المستغرب أن يظل الصندوق، حتى برغم مرور عشر سنوات، متأثرا بفشله في التحذير في وقت مبكر من قدوم أزمة مالية عالمية ــ كانت هي الأسوأ في ما يقرب من ثمانين عاما.
في واقع الأمر، هناك من الدلائل ما يشير إلى أن صندوق النقد الدولي أصبح الآن يرى المشاكل والمتاعب حيثما ولى وجهه. ولكن برغم أن خبراء الاقتصاد لدى الصندوق ربما كانوا عُرضة لخطر الإفراط في توقع الأزمات المقبلة، فليس من الحكمة أن نستبعد مخاوفهم تماما على أساس الأخطاء التي ارتكبوها في الماضي. ويعرض الصندوق بعض النقاط القوية، ولكن نقاطا أخرى تبدو أقل رسوخا.
كانت أقوى الحجج التي ساقها صندوق النقد الدولي مرتبطة بالصين والبنوك الأوروبية. من المؤكد أن تراكم الديون في الصين يدعو إلى مراقبة التطورات بدقة، وأن تقليص ديون قطاع الشركات، وهو أمر مطلوب على وجه السرعة، "لابد أن يكون مصحوبا بتعزيز البنوك وشبكات الأمان الاجتماعي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعمال المسَرَّحين في القطاعات التي تعاني من القدرة الفائضة".
أما التحدي الكبير الثاني الذي يحدده صندوق النقد الدولي ــ القدرة الفائضة في النظام المصرفي في منطقة اليورو، والمشكلة المرتبطة بهذا والمتمثلة في القروض المتعثرة ــ فهو قابل للحل أيضا من حيث المبدأ. يدرك البنك المركزي الأوروبي تمام الإدراك المخاطر التي تفرضها البنوك الضعيفة؛ ولكن مع اعتماد اقتصاد منطقة اليورو بشكل كبير على الائتمان المصرفي، فإن معالجة هذه المخاطر ليست بالمهمة البسيطة الواضحة. ولن يُسفِر التدخل الكثيف المتواصل من قِبَل البنك المركزي الأوروبي في أسواق السندات إلا عن تأجيل يوم الحساب، وليس تجنبه.
بيد أن المشكلة الثالثة التي استكشفها صندوق النقد الدولي قد لا تكون مشكلة على الإطلاق. فالصندوق يزعم أن صناعة التأمين على الحياة قد تصبح في المستقبل مصدرا للمخاطر الجهازية، ولابد لهذا من إخضاعها لاختبار إجهاد التحوط الكلي، أو احتياطيات رأس المال المضادة للتقلبات الدورية، على النموذج المستخدم للبنوك.
تتسم التوصية الأولى بالغرابة: ويبدو أن القائمين على صندوق النقد الدولي لا يدركون أن نظام اختبار الإجهاد لشركات التأمين جرى توظيفه بالفعل في بعض المناطق، وأبرزها المملكة المتحدة.
على نحو مماثل، لا يسوق صندوق النقد الدولي أي حجة مقنعة لتبني نهج التحوط الكلي المضاد للتقلبات الدورية في التعامل مع رأس المال في مجال التأمين. ولا يثبت تحليل الصندوق أن شركات التأمين تتصرف بطريقة مسايرة للتقلبات الدورية. بل على العكس، هناك من الأدلة ما يشير إلى أنها تصرفت بطريقة مضادة للتقلبات الدورية في الأزمة. وحتى صندوق النقد الدولي يخلص إلى أن "الأدلة ليست قاطعة".
ربما يكون من الأفضل أن يوضع تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2006 بعيدا عن المتناول، خلف جدار حماية أو في مكان مظلم من شبكة الإنترنت، في متحف غير مفهرس لكوارث التنبؤ. فآنئذ ربما يعود صندوق النقد الدولي إلى تبني منظور متوازن، بدلا من إطلاق هذا العدد الهائل من الإنذارات الكاذبة التي تصبح موضع تجاهل عندما يندلع حريق حقيقي.
هاورد ديفيز رئيس رويال بنك أوف اسكتلندا.