المجالس البلدية ليست ديكورا للديمقراطية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:١٠ ص
المجالس البلدية ليست ديكورا للديمقراطية

علي بن راشد المطاعني

أعلنت وزارة الداخلية عن بدء القيد الانتخابي في انتخابات المجالس البلدية التي تشمل جميع ولايات السلطنة، وهي الفترة الثانية لهذه التجربة البرلمانية البلدية الوليدة، التي تتركز على مشاركة المجتمع في تطوير العمل البلدي في السلطنة وتعزيز إطار المشاركة على نحو فاعل بين الحكومة ممثلة في الجهات المختصة والمواطنين، إلا أن هذه الانتخابات المزمع إقامتها قد تشهد تراجعا في الإقبال في الترشح والترشيح نظرا لتراجع دور المجالس البلدية عن أداء دورها الذي توقعه المواطنون منها، وأيضا لما لهذه المجالس البلدية في العادة عكس التطلعات التي أنشئت من أجلها إلا أن هناك من يرى عكس ذلك، ويرى أن هذه التجربة في بداياتها الأولى، ومن السابق لأوانه الحكم عليها.

ويبقى تقاطاعات بين الفريق المؤيد والفريق المعارض تدور جميعها في ثلاثة محاور الأول هو وجود ازدواجية واضحة بين دور مجالس البلدية ومجلس الشورى حيث أعطيت لمجلس الشورى أدوار كان الأولى أن يقوم بها أعضاء المجالس البلدية، خصوصا طرح تطوير الخدمات العامة كالصحة والتعليم والجوانب الاجتماعية وغيرها من احتياجات المواطن الآنية والخدمات التي تقدم له، ويبقى لأعضاء مجلس الشورى ممارسة العمل البرلماني بنطاق أوسع.

فالتجربة الماضية تؤكد أن تقاطع المهام بين مجلس الشورى والمجالس البلدية، ليس في صالح الاثنين لأن تجربة الشورى تغطي بشكل كبير على مجالس البلدية وتضعف دورها إلى مستويات كبيرة، كما أن المجالس البلدية لا تمتلك صلاحيات إدارية ومالية للمحافظات أو الولايات لتنمية نفسها وإنما مرتبط بالمركزية الحكومية في اعتماد وتنفيذ الخطط والبرامج التنموية مسبقا للتنمية في ولايات السلطنة، مما ضعف هو الآخر دور مجالس البلدية في ولايات السلطنة باعتبار أنها ليس لها دور مخطّط ومسرع للعمل التنموي وإنما يقتصر دورها على تقديم التوصيات بشأن إقامة المدن التجارية والصناعية وإنشاء المواقف العامة واقتراح إقامة المهرجانات الثقافية والسياحية واقتراح تنظيم عمل سيارات الأجرة واقتراح البرامج التي تساعد ذوي الدخل المحدود ورعاية الأيتام، أما المحور الثالث فهو غياب ضعف الحوافز التي تمنح للأعضاء، مما يجعلها ليست ذات جاذبية للمنافسة على الترشح لعضوية مجالس البلدية في ولايات السلطنة.

كل هذه التحديات وغيرها تلقي بظلالها على انتخابات مجالس البلدية في السلطنة للمرة الثانية وينبغي الأخذ في الحسبان التطوير الذي يتماشى مع التطورات المعاصرة لعمل مجالس البلدية والمتغيرات العصرية التي ترغب في مشاركة أكبر، وحفز المجتمع على المشاركة في هذه التجربة التي ولدت لكي تتطور لكن ليس بالبطء والضعف التي هي عليه، فليس علينا اختراع العجلة كما يقولون فلنبدأ من حيث انتهى الآخرون ولنتعلم من تجاربهم وليس من أين بدؤوا.

فبلا شك إن مجالس البلدية في السلطنة كغيرها من تجارب المشاركة السياسية في البلاد تأخذ بمبدأ التدرج في إقامة دولة المؤسسات، فهذه التجربة جاءت لتتسق مع هذا النهج في المشاركة في صنع القرار والمضي قدما في ترسيخ الديمقراطية في المجتمع، إلا أن ذلك لا يعني أن هذه التجربة نمت بل ما زالت في بداياتها بل علينا الأخذ بالمتغيرات الجديدة في المشاركة المجتمعية بأساليب أكثر تطورا وتقدما، والبعد عن تدرجها التقليدي البطيء الذي لا يتوافق مع التطور الذي يشهده المجتمع من كافة الجوانب التي تفرض التعاطي بشكل أفضل مما هو عليه سواء بإعطاء أدوار أكبر لمجالس البلدية تشريعيا، في إقرار بعض الأطر التي تسهم في تنظيم مجالات العمل البلدي في محافظات السلطنة، وتنظيم العمل في الجوانب الإدارية بما يسهم في تسريع وتيرة العمل.

إن العمل البلدي في السلطنة يعود إلى بدايات 1939 م عندما أسس أول مجلس بلدي وأعيد تشكيله في العام 1972 ، وشهد تطورات نوعية، بدءا بتعيين أعضاء المجالس البلدية حتى وصل إلى ما هو عليه الآن من الانتخاب المباشر وفق ما أشار إليه المرسوم السلطاني السامي رقم116 / 2011 م في 26 أكتوبر من العام 2011 ، الذي منح حق الانتخاب في اختيار أعضاء مجالس البلدية في السلطنة لأول مرة لتضيف لبنة أخرى لصرح دولة المؤسسات والقانون في البلاد، ويعزّز من المشاركة الشعبية في صنع القرار، وزيادة عدد الممثلين في كل ولاية بحيث يمثل الولاية التي يقل عدد سكانها عن 30 ألفا بعضوين وستة أعضاء للولاية التي يتجاوز عدد سكانها الـ 60 ألف نسمة .
ولعل أبرز ما تم من تطوير في عمل المجالس هو وضع اختصاصات واضحة، وآليات عمل واضحة تعمل على تسيير العمل في المجالس بطرق إدارية منتظمة تبلور أهدافها ومجالات عملها، إلا أن هذه التجربة يبدو أنها لم تستوعب على نحو صحيح من المجتمع الذي يتطلع للأفضل ممّا كرسته في السنوات الأربع الماضية، بل لم تقنع حتى الأعضاء بدورهم في المجتمع ووضعهم وهو ما ينبغي تداركه لإنجاح التجربة لتتماشى مع رغبة المجتمع وتأخذ بالمستجدات التي تشهدها الحياة بتسارع وتيرتها التي يتطلب أن تعكسه المجالس البلدية بشكل أفضل مما هو عليه.

فإيجاد المجالس البلدية في ولايات السلطنة كأحد مكونات دولة المؤسسات والقانون ليس مهما بحد ذاته، بقدر ما تكون لتلك المجالس فاعلية تتناسب مع أهميتها في العمل البلدي من جانب ووضعها كتجربة للمشاركة البرلمانية من جانب آخر ويتوجب أن تكون المشاركة أفضل فيها تختلف عن تجربة التعيين.

نأمل أن تؤخذ خطوات عملية في كل الجوانب التشريعية والتنظيمية لتطوير تجربة انتخابات مجالس البلدية لتضاف إلى ما تحقق مع مكاسب في ترسيخ دولة المؤسسات والقانون والعمل على تعزيزها بشكل أكثر جاذبية في الترشيح والترشح وتقتصر المسافات والمراحل لتطويرها، وليس ذلك بصعب أو مستحيل إذا توفرت الإرادة بالنهوض بهذه التجربة إلى ما نتطلع إليه جميعا.