ما الذي جرى للعرب ؟!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠٩ ص
ما الذي جرى للعرب ؟!

علي ناجي الرعوي

كانت مجتمعاتنا العربية الى وقت قريب تنعم بدرجة معقولة من الامن الاجتماعي والاستقرار السياسي والتماسك الداخلي وكان الانسان العربي ضمن مجتمعه متآلفا مع الاخر في الوطن لان الجميع كان يلتحم بعروة الرابطة الوطنية بل ان احدا لم يكن يشعر ان التنوع المذهبي والطائفي في هذه الاقطار يمثل عائقا او مصدرا للنزاع والفرقة والتناحر كما هو حاصل اليوم في العديد من مجتمعاتنا العربية التي باتت تتقاتل او تنال من بعضها البعض على اساس طائفي او مذهبي او اثني او جهوي بعد ما جرى التخلي عن الهوية الوطنية الواحدة بشكل مخز ومخجل.
فما الذي جرى للعرب اذن ؟ انظروا بانوراميا من المشرق حيث القتال والصراع بين احجار الشطرنج الى الضفة الاخرى من المغرب العربي حيث يبدو محشورا بين صراعات الاخوة الاعداء في ليبيا والصراع على الصحراء وفي ظل هذه التراجيديا العربية ليدلنا احدكم من اين نبدأ ؟ هل من اليمن .. ام من سوريا .. ام من العراق .. ام من ليبيا .. ام من الصومال .. ام من لبنان .. ام من ارض الكنانة مصر .. ام من فلسطين الرازحة تحت الاحتلال والتي تشهد انقساما جغرافيا وسياسيا بين الضفة والقطاع ؟ فحين نكون وسط كل هذه المتاهة فان السؤال : من اين نبدأ ؟ يغدو ليس سوى من قبيل الفانتازيا اللغوية التي تظهر عاجزة تماما عن الامساك بخيوط الاجابة.
هذا المزيج من الامراض التي تنخر الان في الجسد العربي يعتبره البعض نتاج طبيعي لتراكم ما حدث من متغيرات وإخفاقات خلال العقود الفائتة معيدا الى الاذهان الظروف التي رافقت المجتمعات العربية منذ ان تحررت من القبضة الاستعمارية في خمسينيات وستينيات القرن الفائت اذ انه وفي خضم التقلبات التي شهدتها المنطقة العربية فقد انتقلت تلك الاقطار من الحقبة الاستعمارية الى مسار يلفه الفراغ او الى حالة مسلية من الغموض ففي الوقت الذي كانت فيه مضطرة الى التفكير بأولوياتها القطرية فإنها في ذات الوقت كانت مطالبة وتحديدا في المرحلة الناصرية (1954م- 1970م) بالتصرف كجزء من الامة العربية قبل ان تكتشف بفعل التجارب التي خاضتها ان الاختلافات القائمة فيما بينها لا تجعلها امة بالمعنى المفهوم من هذا المصطلح السياسي.
اما البعض الاخر فيرجع الاعتلال الراهن الى فشل العرب في ايجاد نظام سياسي يعبر عن الروابط التاريخية والثقافية والحضارية التي تجمع الدول العربية يظهرون من خلاله امام العالم ككتلة قادرة على الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية لكنهم وعلى العكس من ذلك فقد انساقوا وراء تناقضاتهم ليظل الفراغ يخيم على الساحة العربية بحيث ان الباحث لا يكاد يرى للعرب رأسا يلتفون حوله او مشروعا يدافعون عنه وهو ما جعل هذه المجتمعات مختزلة في ما تشهده الان من حروب وصراعات وانقسامات طائفية ومذهبية وجهوية بعد ان تآكل الشعور بالانتماء الوطني في اوساط ابنائها وتحولت بلدانهم الى اقفاص للوحوش البشرية ينهش فيها بعضهم بعضا.
من هذه الزاوية فان العرب يواجهون مأزقا يتعين الاعتراف بوجوده والتعامل معه بالإقرار من ان التصدع والتشرذم الذي يعانون منه اليوم تجاوز الانظمة الى المجتمعات وهو ما يفتح الابواب واسعة لانفراط عقد المجتمع العربي برمته واستدعاء الصراعات والخلافات السياسية والعرقية والطائفية والمذهبية واستنساخ الكائنات المليشياوية المدججة بالسلاح وتكريس مشاريع التقسيم والحروب الاهلية التي ستجعل المنطقة كلها تسبح في فلك الفوضى والتفكك والفراغ الذي لن يجد من يملؤه سوى التيارات والتنظيمات الارهابية التي لم يعد سرا انها من اضحت تطرح نفسها بديلة عن الدولة الوطنية ليس في العراق او الصومال فحسب وإنما في اقطار عربية عدة.
ليست مصادفة سياسية ان تتزامن كل تلك التحديات على الامة العربية بعد ما سمي بالربيع العربي الذي وصف ذات يوم بمثابة اعلان عن متغير تاريخي في المنطقة يضعها على عتبات طور جديد في مسيرتها انطلاقا من اصرار اولئك الذين خرجوا يرفعون شعار (التغيير) إلا ان الوقائع التي اعقبت هذا الربيع قد حملت الكثير من النتائج الدالة على ان اولئك الذين تصدروا المشهد لم يكونوا يدركوا ان التغيير الذي يحلمون به ومن سار على ركبهم هو اصعب بكثير من اسقاط الانظمة التي ثاروا عليها وان هذا التغيير بحسبة عملية مركبة هو من يحتاج الى مصفوفة من المتطلبات اهمها مناخ الثقة بين الفرقاء والفاعلين والمتدخلين في سيرورة الفعل الثوري وانه وبدون ذلك فان (ربيعهم) قد يصبح شتاءا قارسا يعمق الانحدار والانكسار في اوطانهم وذلك ما حدث مع الاسف.
لقد خرج البسطاء والمكبوتين في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا الى الساحات والشوارع يتقدمهم قادة الاحزاب الاسلامية والعلمانية والقومية يرددون بصوت مجلجل : (الشعب يريد اسقاط النظام) وبطبيعة الحال فقد سقطت اربعة انظمة وسقطت بعدها عوامل الامن والاستقرار في تلك الاقطار التي دخلت فاصلا من الفوضى والحروب الاهلية الطاحنة التي راح ضحيتها مئات الالاف من البشر وشرد اضعافهم في اصقاع المعمورة.
السيناريوهات متعددة واخطر ما فيها انها تتم فيما المتعاركون مستغرقون في تجاذباتهم وذاهلون عن ما قد يترتب على هذه الحروب المكبوتة من خطر كارثي على اوطانهم ومجتمعاتهم .. وهي خلاصة يصعب الاختلاف معها .. وليتها تكون موضع مناقشة من جانب الذين يؤرقهم السؤال : ما الذي جرى للعرب ؟ خصوصا وان هذا السؤال بتنا نسمعه يتكرر في كل حوار واجتماع وفعالية ثقافية وسياسية واجتماعية وهو ما يدق اخر مسمار في النعش العربي.

كاتب يمني