عيدكم سعيد رغم الإرهاب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/يوليو/٢٠١٦ ٠٠:٠٩ ص
عيدكم سعيد رغم الإرهاب

احمد المرشد

نضطر أحيانا الي أن نغير مسار أقلامنا، والإضطرار هنا أمر خارج عن إرادتنا حقا، فالإنسان يضع في الغالب عدة أفكار وسيناريوهات ليكتب من بينها وليختار منها الأقرب الي تفكيره في هذه اللحظة، الأقرب الي التفكير يرتبط طبعا بالأحداث الجارية وأحيانا بالمناسبات الدينية أو الوطنية. وطبيعي وأنا أتحدث عن المناسبات الدينية، أن يكون موضوعنا المفترض اليوم عن عيد الفطر المبارك وفرحتنا به، عائلات، كبارا، أطفالا، ناهيك عن فرحة بعيدنا في ظلال مملكتنا الحبيبة، مملكتنا التي يظلها حكامها بالعدل والقسط والحكمة.
وربما اتجاوز تلك القاعدة اليوم، لأميل ميلا بسيطا وأغير اتجاهي لأتحدث عما جري في ليلة السادس والعشرين من رمضان المبارك ، فهو من الأشهر الحرم، وحرمة هذا الشهر المبارك لم تمنع بضعة أشخاص معدومي الضمير ولا وازع ديني لديهم، عندما أجرموا في حقنا، مواطنين ودولة..مواطنون منحناهم الأمان ليعيشوا معنا وبيننا ووسطنا، ودولة أستمأنتهم علي أرواح الشعب وممتلكاته، ولكن هؤلاء أبوا أن نعيش ويعيشوا في سلام مطمئنين لحرمة رمضان المبارك وعدم رفع السلاح ضد بعضنا البعض أو ممارسة أعمال القتل والإرهاب، فما كان منهم سوي عملهم الإرهابي التخريبي في تلك الليلة، ليضاف الي جملة أعمالهم الجبانة ، فهو ليس سوي محاولة يائسة من أعداء الوطن المؤتمرين من سادتهم بالخارج ، ليرهبونا ويزعزعوا عزيمتنا وحبنا لوطننا ولقيادته، ولكني أعلم أن هؤلاء يدركون خطورة ما يأتون به، فهم يأتون وينفذون صنيعهم السيئ وهم بعيدون عن التفكير، لأنهم ألغوا عقولهم تماما وباعوها لشياطينهم من الإنس، فشياطين الجن يحبسهم المولي عز وجل ويسلسلهم بالإصفاد ولا نراهم في الأرض خلال رمضان المبارك الذي انتهكوا حرمته بفعلتهم الخسيسة.
ليس أمامنا سوي أن نبلغ هؤلاء الشياطين المؤتمرين بتعليمات شيطانهم الأعظم ، أن كل من تسول له نفسه بالعبث بمقدرات البحرين، فإن الله منحنا نعمة نقدرها وهي نعمة الطمأنينة والثقة في حكامنا، ، فهم رمانة الميزان لهذا البلد، حافظين لأمنه ، فهم عز هذا الوطن وحماته من الأنواء والمخاطر فليحفظ الله بهم وطننا الغالي البحرين..وليحفظ الله بكم البحرين وشعبها.
ولعلي أعود للبداية، لأقرر الكتابة عن مناسبتنا الدينية التي تأتينا مرة كل عام، وهي فرحة العيد التي ما كان يجب أن تغيب، حتي إذا أراد الشياطين تغييبها وأن نعيش في ظلام دامس.. فبعد أن قررت الإشارة الي الحادث الإرهابي الذي ارتكبه هؤلاء وأدلف منه مباشرة للحديث عن العيد وذكرياته في بلادنا الحبيبة، حتي فوجئت بالتفجيرات التي شهدتها السعودية الشقيقة ليلة وقفة العيد، لينجرح القلم مرة أخري ويدمي. أقول، ينجرح ولكني لم أصاب بخيبة أمل كما أراد هؤلاء أن يبلغونا رسالتهم، فيكفي ونحن نودع شهر رمضان نقول "اللهم بلغنا رمضان القادم" في نبرة تفاؤل بأن يمنحنا العمر لنعيش أيام رمضان جديد، وبينما نحن نتضرع الي ربنا بهذا، يأبي شياطين الأرض أن تصل دعوانا الي عنان السماء، فهم يريدون قطع الوصال، ولكن هيهات.
ورغم أن الإرهابيين تركوا بعض الأسر مغمومة في بعض البلدان العربية، العراق، سوريا، مصر، ليبيا، فإن رسالتنا لن تموت وتظل باقية لتنادي بالأمل والأمن والاستقرار.. هم أرادوا بأفعالهم الخسيسة ألا ينتهي شهر رمضان المبارك بكل ما يحمله من معاني الرحمة والعبادة والتجرد للعبادة والاستزادة من فضل الله، وهم أرادوا ألا نغادر شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار دون ان يطل بوجههم القبيح في أطهر وأقدس الأماكن، هم أرادوا أن يبلغونا رسالتهم للمرة المليون، بأنهم لا يعرفون دينا او عقيدة او اي معني من معاني الإنسانية.
ولعلي أتأسف عن نصف موضوعي، فالإرهاب الأسود جرني جرا للكتابة عنه، ولكني أبعث لكم جميعا بالتهنئة، في لحظة صفاء وهدوء، من قلب أحب بصدق، ليدعو لكم بأصدق المشاعر ليتقبل المولي وعز صيامكم وصيامنا، وقيامكم وقيامنا، وجعلنا وإياكم من عتقائه من النار وجعل ختام صومكم عبادة والعيد لكم فرحة وسعادة.
نتضرع الي الله سائلينه أن يجعل أيامكم أفراح وأن يعيد العيد عليكم وعلينا أعواما عديدة وأزمنة مديدة وأنتم في أحسن وأفضل حال، وأن يكون عيدنا المقبل ونحن أقرب الي الله وعلي طاعته دائمين وعلي محبته وعلي طريقه المستقيم سائرين دائما.
عندما نزلت الأية الكريمة : ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾، أراد الخالق أن يفرح جموع المسلمين ويبلغهم بأن الدين فرحة وليس مشقة، فكتب لهم الأعياد، ليحتفل بها المسلمون. قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قدم للمدينة ورأى أن أهلها حددوا يومين يلعبون فيهما: " قدْ أبدلَكم اللهُ تعالَى بهما خيرًا مِنْهُمَا يومَ الفطرِ ويومَ الأَضْحَى". وقد سن الله لنا العيد لنتبع سنة نبيه وأخلاق الصحابة، فكانوا يتعايدون ، ولنحافظ علي صلة الرحم وننسي الخلافات ، لتعم المحبة والمودة بين المسلمين كافة، ولنشعر جميعا بقدوم العيد ونفرح به، كبارا، وصغارا، ففرحته تدخل السرور والبهجة في نفوس الجميع.
عيدنا الذي نحتفل به من قبل قدومه، احتفل به كل مسلمي العالم علي اختلاف أجناسهم وألوانهم، وهم يرتبطون بعادات معينة وهم يستقبلون أعيادهم، فنحن علي سبيل المثال عرف عنا قديما أننا نستعد للعيد من قبل أن يأتي، بملابسه الجديدة، بعطورته وزيناته وموائده العامرة بأطايب مأكولاتنا الشعبية وحلوياتنا وقهوتنا العربية المشهورة. والعيد كذلك عند كل شعب، له طقوسه الخاصة جدا، وإن تشابهت تلك الطقوس في الملابس الجديدة وتوزيع العيدية، فهي عادة حثنا عليها إسلامنا الكريم، فهي ليس فرحة للأطفال فقط وإنما فرحة للجميع.
ونحن نعيش هذه الأيام المباركة، نتضرع الي الخالق الرزاق، أن يزيد علي وطننا أعياده وإفراحه ، فنحن شعب يعشق الاحتفال بالأعياد، شعب يعرف التدين بطبعه ولا يحيد عنه، حتي وإن خرج بعضنا عن مباديء الإسلام السامية الممثلة في الرحمة والعيش في أمان، فإذا كان من تعاليم رسولنا الكريم ألا يجب أن ينام الإنسان وجاره جائع، فما بالنا إذا مات الجار بأحقاد وضغائن جاره!.

كاتب ومحلل سياسي بحريني