جاكرتا – ش – وكالات
يبحث الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو قواعد تهدف إلى إثناء الإندونيسيين عن الانضمام لجماعات متطرفة بالخارج وذلك في محاولة لمنع وقوع هجمات أعنف من ذلك الذي شنه متشددون محليون في جاكرتا الأسبوع الماضي.
وفي اجتماع عقد امس الثلاثاء بالقصر الرئاسي وافق كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين على إجراء تعديلات في قوانين مكافحة الإرهاب التي تتيح للإندونيسيين الذين قاتلوا في صفوف تنظيم داعش بالخارج العودة إلى البلاد.
وتخشى أجهزة الأمن أن يشن متطرفون عائدون لأرض الوطن هجوما أخطر من ذلك الذي شنه متشددون محليون يوم الخميس باستخدام مسدسين و11 قنبلة بدائية الصنع محدودة الأثر. وقتل في الهجوم ثمانية بينهم المهاجمون الأربعة.
وقال رئيس البرلمان ذو الكفل حسن "وافقنا على مراجعة قانون الإرهاب للتركيز على المنع."
وأضاف "لا يوجد حاليا شيء في القانون يتعلق بالتدريب. كما لا يوجد حاليا شيء يتعلق بمن يسافرون إلى الخارج (للانضمام لجماعات متطرفة) ويعودون. يتطلب الأمر توسيع النطاق."
وقال إن التعديلات المقترحة ستشدد أيضا أحكام السجن على المدانين في جرائم الإرهاب.
وقال ويدودو إن المناقشات حول القانون الجديد لا تزال في "مرحلة مبكرة" واصفا القانون بأنه سيكون إجراء لسد ثغرة إلى أن يعدل البرلمان قانون مكافحة الإرهاب.
ومضى قائلا إن هذا الأمر "ملح جدا. كثير من الناس سافروا إلى سوريا وعادوا."
وتعتقد السلطات أن 500 إندونيسي سافروا إلى الشرق الأوسط للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية. ويعتقد أن مئة منهم عادوا دون أن يشارك معظمهم في القتال.
وفي مقابلة مع رويترز أمس الاثنين قال رئيس الشرطة الإندونيسية بدر الدين حياتي إن البلاد تتحسب لعودة مقاتلين أكثر حنكة يمكن أن يكونوا قادرين على شن هجمات أعنف من هجوم الأسبوع الماضي الذي حد منه نقص الخبرة وضعف التسليح.
وكان هجوم جاكرتا يوم الخميس الماضي أول هجوم منسوب لداعش في إندونيسيا. وكان الهجومان السابقان الكبيران في البلاد في 2009 حين استهدف انتحاريان فندقين فاخرين في المدينة.
وحتى إذا تم إقرار التعديلات المقترحة فستظل قوانين مكافحة الإرهاب في إندونيسيا أهون من مثيلاتها في بعض الدول المجاورة.
فقد أصدرت ماليزيا في أبريل قانونا يتيح مجددا الاعتقال دون محاكمة وذلك بعد ثلاث سنوات من إلغاء إجراء مماثل. وأصدرت استراليا في السنوات الماضية إجراءات تحظر عودة مواطنيها من مناطق الحروب في سوريا ودول الشرق الأوسط الأخرى وخففت القيود على مراقبة الاتصالات في الداخل.
حالة ارهابية
كان عفيف نزيلا في أحد السجون مشددة الحراسة في إندونيسيا عندما تحول من متطرف طموح إلى جندي في صفوف تنظيم داعش مستعد للتضحية بحياته من أجل جماعة ترابط على بعد آلاف الأميال في الشرق الأوسط.
وانتهت رحلته بمقتله الأسبوع الماضي عند تقاطع مزدحم في وسط جاكرتا بعد هجوم بالأسلحة النارية وعبوة ناسفة استخدمها في عملية انتحارية نفذها مع ثلاثة متطرفين آخرين ودخل بها عنف تنظيم داعش إلى جنوب شرق آسيا للمرة الأولى.
ويسلط تحول عفيف من نزيل في السجن إلى متطرف الضوء على نظام السجون الذي سمح فيه نقص العاملين وازدحام الزنازين والفساد للمتطرفين بالاختلاط والخروج من السجن عازمين على القتل باسم الإسلام.
ويقول مسؤولون أمنيون إن عفيف المعروف أيضا باسم سوناكيم حكم عليه بالسجن سبع سنوات لمشاركته في معسكر لتدريب المتطرفين في إقليم آتشيه .
وقال المسؤولون إنه بمجرد دخوله السجن رفض اتباع برامج التوعية التي تهدف لإبعاده عن الفكر المتطرف.
وامتنع أكبر هادي المتحدث باسم وزارة القانون وحقوق الإنسان عن التعليق على ما إذا كانت أنشطة عفيف خضعت للمراقبة بعد الإفراج عنه في أغسطس الماضي.
وقالت الشرطة إنه خطط لعملية جاكرتا مع الثلاثة الآخرين وكان أحدهم مسجونا سابقا أيضا. وتوفي أربعة مدنيين في الهجوم وكذلك المهاجمين الأربعة.
وفي العام الماضي قال تقرير أعده معهد تحليل سياسات الصراع إن 26 سجنا في مختلف أنحاء إندونيسيا تضم بين جدرانها 270 "إرهابيا مدانا" لكن أنصار داعش لا يمثلون إلا أقلية صغيرة من هذا العدد.
وقال بدر الدين هايتي رئيس الشرطة الاندونيسية لرويترز إن من المعتقد أن خمسة على الأقل من المتشددين المسجونين كانوا على اتصال بالمتآمرين خلال الإعداد للهجوم.
وقال خبراء إن عفيف كان في الفترة التي قضاها في سجن سيبينانج واحدا من بين نحو 20 مدانا تأثروا بشدة بزميلهم الداعية الإسلامي أمان عبد الرحمن الذي تلهب خطبه مشاعر أتباعه.
ومن وراء القضبان يتزعم عبد الرحمن شبكة منظمة جامعة تشكلت في العام الماضي من خلال تحالف جماعات صغيرة تؤيد تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال توفيق آندري المدير التنفيذي لمعهد بناء السلام الدولي في جاكرتا "أقاموا في نفس الزنازين وصلوا معا وطهوا طعامهم معا."
واعتاد عبد الرحمن أن ينشر مذهبه التكفيري الذي يبرر العنف باعتبار الآخرين من الكفار من خلال الخطب والمحاضرات.
ونقل عبد الرحمن إلى سجن مشدد الحراسة في نوساكامبانجان بوسط جاوة في عام 2013 لكنه ظل على اتصال بعفيف ومجموعة متنامية يبلغ عدد أفرادها نحو 200 من الأتباع يستخدمون أشخاصا وهواتف محمولة من أجل التواصل.
وقال محام يمثل أبو بكر باعشير وهو سجين آخر من المتشددين في سجن نوساكامبانجان لرويترز إن من السهل نقل الرسائل من داخل السجن إلى العالم الخارجي.
وقال المحامي أحمد مشدان "أي زائر يسمح بدخوله وحتى إذا لم يكن هناك تبادل للهواتف المحمولة فهناك تبادل للمعلومات."
أداة رئيسية
يقول الخبراء إن النزلاء من أمثال عبد الرحمن ما زالوا ينجحون في توزيع خطب عن طريق البريد الإلكتروني والفيسبوك بل والنسخ الورقية. ورغم أن عبد الرحمن يقبع وراء القضبان فقد تمكن من إعلان ولائه عبر الإنترنت لتنظيم داعش عام 2014.
وقال فرحين المتشدد السابق الذي شارك في برنامج أدارته الحكومة لإبعاد المتشددين عن الفكر المتطرف خلال الفترة التي أمضاها في السجن في بالو على جزيرة سولاويزي "أصحاب الفكر الأكثر تشددا يمكنهم أيضا إلقاء خطب دينية على أساس منتظم ومن السهل نقل الأفكار المتشددة للآخرين."
وقال سعود عثمان رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في إندونيسيا لرويترز في نوفمبر إن مسؤولي السجن عجزوا عن وقف مثل هذه الاتصالات بسبب مشكلة الازدحام.
وقال المتحدث باسم وزارة القانون وحقوق الإنسان "نحن على علم بوجود مشكلة بسبب السماح للمدانين بالتواصل باستخدام الإنترنت والهواتف المحمولة. ومن المؤكد أن هناك مجالا لتحقيق تحسن" مضيفا أنه لا يمكن إرغام النزلاء على الانضمام لبرامج التوعية.
ويقول الخبراء إن سهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل مثل تليجرام تمثل جانبا كبيرا من المشكلة.
وتعتقد الشرطة أن العقل المدبر لهجوم جاكرتا هو إندونيسي يقاتل في صفوف تنظيم داعش في سوريا يدعى بحرون نعيم وأنه استخدم وسائل التواصل الاجتماعي في نقل الأفكار المتشددة إلى أنصاره في إندونيسيا.
وأضافت الشرطة أنه ربما حول آلاف الدولارات إلى حسابات هنا في إندونيسيا.
ومنذ الهجوم حجبت إندونيسيا مواقع وأرسلت رسائل إلى شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وتليجرام تطلب فيها منها رفع المحتوى الذي يتضمن أفكارا متطرفة.