زو ويليامز
يخطط الألمان لفرض ضريبة أوروبية لدفع ثمن أزمة اللاجئين فيما تسعى الدانمارك لتمرير قانون لضبط أي مجوهرات تزيد قيمتها على 1000 يورو مع أي لاجئ يصل اليها مع استثناء خاتم الزواج ، وهذه هي تصرفات الشعوب المتحضرة على ما يبدو في تعاملها مع قضية إنسانية على أنها مسألة ربح او خسارة. وفي تركيا يتقاضى المهربون ألف دولار مقابل توفير مكان للاجئ على زورق و2500 دولار لمكان في قارب خشبي، وبحسبة بسيطة فإن عبور أكثر من 350 ألف لاجئ عبر واحد فقط من الممرات وهو جزيرة يسبوس اليونانية في عام 2015 كان معناه تحقيق أرباح بمئات الملايين ، وأفضل استجابة صدرت من الاتحاد الأوروبي حتى الآن هي تقديم المزيد من المال للحكومة التركية إما للإبقاء على المهاجرين في تركيا أو إرسالهم مرة أخرى من حيث جاءوا ضاربين عرض الحائط بنص وروح المواثيق الحديثة الخاصة بمعاملة اللاجئين.
وتركيا التي يبلغ عدد سكانها 75 مليون تستضيف بالفعل مليون لاجئ ، تقبل بمطالب مستحيلة وقاسية من القارة التي يزيد عدد سكانها على 500 مليون نسمة ، إلا أن أنقرة لم يعد بمقدورها المساعدة أكثر من ذلك بسبب التهديد الذي يستهدف "التماسك الاجتماعي". وقد تعهدت الحكومة البريطانية أن تأخذ 20 ألف لاجئ مع اشتراط قصر ذلك على "المحترمين" منهم فقط القادمين من مخيمات بعيدة ، والمعنى الضمني هو أن قرار الهروب إلى أوروبا يضع اللاجئين خارج نطاق التعاطف الإنساني. فماذا لو أن هناك مليون شخص في أي دولة أوروبية يعاني كارثة طبيعية، هل هناك من سيتحدث عن كيفية فرض ضريبة حتى يمكن إرسال المساعدة؟ بالطبع سيكون تقديم المساعدة أولا ثم القلق عن المال ثانيا. وهل إذا أراد الاتحاد الأوروبي إنقاذ حكومة أو بنوك في دولة عضو سيتجه أولا الى اقرار ضريبة إنقاذ؟
وربما يكون اقتراح أن الأزمة الراهنة تحتاج الى فرض ضرائب خاصة بها هو محاولة لإجبار الحكومات الفردية على مواجهة استراتيجيتها الحالية، وهو ألا يكون لها استراتيجية. وهذا في الواقع يعصف بالمبائ الرئيسية لإتفاقية اللاجئين التي تنص على أن أي شخص يفر خوفا على حياته يتم التعامل معه على هذا الأساس ، والتخلي عن هذا المبدأ يعني أن حقوق الإنسان لم تعد تشغلنا في المقام الأول. بيد أنه إذا غاب عنا هذا المبدأ التنظيمي ستتداعى العلاقات التي تربط الدول بعضها، فالتحالفات تقوم على أفكار أقل ما يقال عنها أن الدول لا تخجل من إعلانها بصوت عال.
والقارة التي تقوم على نبذ البائسين ستدفع الثقة بها الى شفا الانهيار. وفيما تستمر الحرب في سوريا ، ومواصلة داعش أعمالها ، وإلى أن يتم تطبيق خطة غير مسبوقة لسلام حقيقي على أرض الواقع ، ستظل هناك حقائق لا مراء فيها، أن تدفق اللاجئين سيظل مستمرا ولن تنخفض وتيرته ، ولا يمكن لتركيا أن تستوعب كل هؤلاء الفارين بحياتهم. والحل الذي يقوم على أساس تقوية التحصينات والموانع الأوروبية لن يجدي نفعا سوى المزيد من الأموال في أيدي مهربي البشر، وتكثيف وتقوية شبكات الإجرام في جميع أنحاء القارة إلى درجة من شأنها أن تغير طبيعة أوروبا، والحل الذي يقوم على غض البصر عن حقيقة مصير الغرق الذي يتهدد الكثير من اللاجئين لا يختلف في جوهره الأخلاقي عن تعمد إغراقهم ، وهذا من شأنه أن يغير في طبيعة البلدان التي تسمح بوقوع ذلك. أما حل تجنب الحديث عن القضية وتجاهلها فهو مرادف لتآكل قدرتنا الجماعية على التعاون في أي شيء. وبدلا من مشاهدة هذا العرض المؤلم بالحديث عن عدم وجود ما يكفي من المخصصات، فإننا بحاجة للبدء في وضع إطارا للكيفية التي يمكن ان تكون عليها الحلول المناسبة.
وقبل كل شئ فنحن بحاجة لتأكيد شرعية طلبات اللجوء استنادا على المسارات التي يأخذها اللاجؤن والدول التي فروا منها وطبيعة الصراعات التي نعرفها جميعا. فهناك الكثير من الوقت يتم اهداره لتوصيف من هو المهاجر الاقتصادي ومن هو اللاجئ. ومن الممكن القول بكل ثقة أن 850 ألف شخص قد عبروا المياه من تركيا العام الماضي ولم يكن من بينهم سباك من أمريكا الجنوبية يبحث عن فرص جديدة.
وليس من المستحيل أو حتى من غير المعقول أن يتم تقسيم 850 ألف شخص بين الدول الأوروبية، على أساس الحجم والمساحة والناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، وأن يطلب من كل دولة، كشرط للعضوية، أن تأخذ حصتها. فهذا كله ينبغي القيام به دون تلك النزعة الانتقامية التي وصمت سياسة الهجرة منذ مطلع القرن الحالي. نحن جميعا بحاجة إلى توضيح المعنى الحقيقي الذي يقتضيه التمسك بالمبادئ التي تقوم عليها الثقة الجماعية بالنفس وإلا فلنخطط لمستقبل فقدنا فيه هذه الثقة.
كاتبة عمود رأي بصحيفة الجارديان