فريد أحمد حسن
حتى وقت قريب كان البعض يحذر من وقوع دول مجلس التعاون في براثن الطائفية التي هدمت العديد من المجتمعات وخربت دولا كثيرة وشتت شعوبا بعد أن قسمتها إلى فرق يبغض بعضها بعضا ، اليوم يشكو الجميع في دول مجلس التعاون من الطائفية وأفعالها المشينة ، فقد حصلت لها في بعضها أرضا خصبة ظلت تبحث عنها وتؤسس لها طويلا ، ولهذا فإن أصواتا بدأت ترتفع ليتكاتف الجميع ويقف في وجه هذا الداء الذي إن فتك بمجتمع أباده وقلت أمام أفراده فرصة العودة إلى ما كانوا فيه وعليه .
بلغة أخرى يمكن القول إن فيروس الطائفية تمكن من التغلغل إلى بعض دول المجلس وأوجد لنفسه فيها مكانا وبدأ في نشاطه الذي يصعب توقيفه في هذه الفترة على وجه الخصوص ، مستفيدا من الأجواء في المنطقة ومن انتصاراته في العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان وباكستان وغيرها من الدول ، ومستغلا الاختلافات في وجهات النظر بين المنتمين إلى المذاهب الإسلامية والخلافات التي تدب فيما بينها لأسباب هي في الغالب ذات علاقة بالشأن السياسي والمصالح الضيقة .
اليوم لا قيمة للتحذير من الطائفية وشرورها لأنها تمكنت بالفعل من بعض مجتمعاتنا الخليجية . القيمة والمنفعة اليوم هي في العمل معا والتعاون والتضامن لمحاربتها وتحرير المجتمعات التي تأثرت بها وتضررت منها ولمنع انتشارها في بقية دول المنطقة .
قبل سنوات قليلة دعا البعض إلى تشكيل حركة في دول التعاون تسمى " صحفيون ضد الطائفية" وجدت قبولا طيبا وحماسا من قبل العديد من أصحاب القلم والرأي والفكر ، لكنها للأسف ظلت محدودة التأثير لسببين ؛ الأول هو قوة تأثير الطائفية وشراستها وتمكنها من التغلغل في بعض مجتمعات دول التعاون ، والثاني أن الكثير من الذين تحمسوا لها لم يتمكنوا أنفسهم من التحرر من تأثير الطائفية فصاروا من ضحاياها (في هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ما حدث مع كثير من مثقفي مملكة البحرين في السنوات الخمس الأخيرة التي عانت فيها من الأحداث الصعبة التي مرت بها وأحدثت شرخا كبيرا في المجتمع الذي انقسم إلى فسطاطين ، حيث صار من يعتنق الفكر الشيوعي أو متأثرا به مدافعا عن المذهب الإسلامي الذي ينتمي إليه وراثيا ، فتحول "الشيوعي السني" الذي لا يؤمن بوجود الخالق إلى مدافع عن أهل السنة والجماعة ومحرض ضد الشيعة ، وتحول الشيوعي المماثل له في الفكر والمعتقد إلى مدافع عن الشيعة ومحرض على أهل السنة ، في مشهد أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه من علامات آخر الزمان) .
لكن الدعوة إلى تأسيس حركة من قبيل "صحفيون ضد الطائفية" أو "مواطنون ضد الطائفية" أو مثقفون أو علماء دين أو شباب ضد الطائفية أو غير هذا من تسميات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي ينبغي ألا تموت ، فهي أداة مهمة يمكن أن تكون فاعلة لو أنها حصلت على من يتبناها بصدق ويحشر لها بذكاء خصوصا وأن أذى الطائفية صار ملموسا ويمكن تقديمه كمثال ، عدا أن الطائفية تتناقض ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف .
الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تتأثر بعد بهذا الوباء ويصعب أن تتأثر به هي سلطنة عمان التي تأسست على بغض الطائفية ورفضها وعدم السماح لها لتصير معيارا بدل المواطنية ، ففي السلطنة لا ينظر إلى المرء لانتمائه المذهبي والطائفي ولكن لعمله ودوره وتأثيره في الارتقاء بالمجتمع العماني ، فالدولة هنا ومنذ أن تأسست تقف على مسافة واحدة من الجميع وبالتالي أغلقت بابا كان يمكن لفيروس الطائفية أن يتغلغل إلى المجتمع العماني من خلاله . ساعد ذلك الدور الفاعل لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذي اهتم ببناء الإنسان وأعطاه الأولوية وترك له حرية العلاقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى ، وكذلك فتاوى ومواقف سماحة مفتي السلطنة الشيخ أحمد الخليلي الذي يمتاز بطرحه المعتدل دائما ووقوفه بجرأة وقوة في وجه كل طرح متطرف لا يأتي منه سوى الشر والأذى .
تأسيس مثل هذه الحركات المجتمعية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة والتي يتم فيها استغلال الاختلافات المذهبية بشكل بشع أمر مهم للغاية ، وهي وإن ظل تأثيرها محدودا الآن إلا أنه يمكن أن يزداد مع الوقت وكلما تمكن الطائفيون من تسجيل نقاط لصالحهم ، فهذه النقاط تعني تضرر المواطنين والأوطان وتصير مثالا ودليلا .
ما فعله المستفيدون من الطائفية فتمكنوا من بعض المجتمعات الخليجية هو أنهم زينوا للناس أعمالهم وصدوهم عن السبيل ، وما يمكن أن يفعله من هم ضد الطائفية من أبناء دول المجلس ويقللوا من تأثير أولئك وأعمالهم على الناس هو ببيان الأضرار التي تتسبب فيها الطائفية وإقناعهم بأن النتيجة لن تكون في صالح أي مجموعة منهم وأنها لن تكون في صالح أوطانهم ولا دينهم ، فالطائفيون يعتبرون العامة أدوات يمكنهم الاستفادة منها في مرحلة معينة لتفتيت تلك المجتمعات وتخريبها بغية السيطرة عليها والتحكم فيها قبل أن يركنوها جانبا ويدوسوها .
تشكيل الحركات الرامية لمواجهة الطائفية ووضع حد لتغلغلها في مجتمعاتنا الخليجية خطوة في غاية الأهمية ، والدور الذي يمكن أن يلعبه المثقفون على اختلافهم كبير ومهم في هذه المرحلة التي تتفتت فيها الأوطان بفعل الطائفية البغيضة ، أما سلبية هؤلاء وغيرهم ممن أوتوا بسطة في العلم فأمر يجب عدم القبول به واعتباره تقصيرا في حق الوطن الخليجي .
• كاتب بحريني