معركة أفريقية ضد الفساد

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/يناير/٢٠١٦ ٠٠:٥٠ ص
معركة أفريقية ضد الفساد

مايكل ماير

ما يثير استياء معظم الأفارقة هو أن العالم طالما اعتبر القارة من خلال منظور ثلاثي - الصراع، العدوى والفساد.
الظاهرتين الأوليتين ليست عامة إذ تشمل الحرب الأهلية أساسا مناطق معينة - على سبيل المثال، جنوب السودان أو جمهورية الكونغو الديمقراطية. و انتشر وباء الإيبولا من غرب أفريقيا إلى أوروبا والولايات المتحدة أكثر من باقي القارة. لكن الظاهرة الثالثة أي الفساد، فهي عالمية، وقد أفسدت كل بلد تقريبا.
ومع ذلك هناك بصيص من الأمل في التغيير. وإذا نما وانتشر سوف تزدهر ثروات أفريقيا بشكل كبير.
لنبدأ من رواندا حيث قام الرئيس بول كاغامي بتعديل دستوري يمكنه من الترشح لولاية ثالثة في منصبه. وقد اعتبره دبلوماسيون غربيون محاولة لإنشاء نظام مستبد أفريقي آخر. غير أن زيارة البلاد تبين مدى ازدهاره.
في معظم أفريقيا، توقيف سائق سيارة المرور يعني رشوة. في رواندا، يحكم على الراشي والمرتشي بالسجن.وتعمل المؤسسات الحكومية بشفافية، وفي إطار سيادة القانون بشكل ملحوظ. كل يوم سبت في الشهر، يقوم كاغامي والمواطنون على حد سواء بكنس الشوارع - كناية لم تغب عن الوكالة الدولية لمكافحة الفساد والمنظمة الدولية للشفافية، التي صنفت رواندا كأنظف بلد في أفريقيا.
الآن لننظر إلى نيجيريا، أكبر منتج للنفط في القارة. حسب بعض التقديرات، سرق الحكام السابقون نحو 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في كل عام. كان بإمكان تلك المليارات من البترو دولار أن تبنى نيجيريا حديثا يزخر بطرق ومستشفيات ومدارس جيدة،. بدلا من ذلك، صرفت الأموال في قصور نخبة صغيرة وسياراتها الفارهة وحساباتها المصرفية في الخارج.
الآن يحاول الرئيس الجديد إعادة كتابة القواعد، ومنذ توليه مهام منصبه في شهر مايو، أطلق محمدو بوهاري (مثل كاغامي، وهو جندي سابق) حملة واسعة لمكافحة الفساد على مستوى عال. في نوفمبر، وجهت إلى اثنين من كبار المسؤولين تهمة احتيال 2 بليون دولار في صفقة لشراء طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر والذخيرة التي لم يتم تسليمها أبدا. في أكتوبر، ألقي القبض على وزير النفط السابق ورئيس شركة النفط الوطنية.
فجأة أصبح التقشف الشخصي مرغوبا فيه، وانخفضت مبيعات سيارة مرسيدس-بانز ورولز رويس، وتعذر بيع الفيلات الفاخرة.
يمكن لهذه الإصلاحات أن تصبح عميقة إذا تم اعتمادها جزئيا في أماكن أخرى. هناك أيضا دلائل مشجعة في هذا المضمار. في غرب أفريقيا مثلا اعتذر رئيس بينين، البلد الصغير، في الآونة الأخيرة بعد أن استولى مسؤولون فاسدون على منحة خارجية قدرها 4 ملايين دولار. وفي السنغال تخوض الدولة حملة وطنية لمكافحة الفساد. وما يلفت الانتباه هو حالة تنزانيا، حيث وضع الرئيس المنتخب حديثا، جون پومبي ماگوفولي، معيارا نادرا للقيادة.
بعد زيارة المستشفى حيث ترك المرضى في الممرات، قام ماگوفولي بتقليص حفل عشاء فاخر بمناسبة افتتاح البرلمان، وأنفق المال على أسرة المستشفى. كما ألغى احتفالات عيد الاستقلال وأمر بوضع المدخرات لمحاربة تفشي وباء الكوليرا. وقرر حظر تذاكر السفر من درجة رجال الأعمال واللقاءات الحكومية المكلفة، وأقال كبار المسؤولين الفاسدين، وبدأ تبسيط اللوائح المعقدة التي كان البيروقراطيون يستغلونها لانتزاع رشاوى ضخمة.
في شرق أفريقيا، حيث تويتر تحظى بشعبية كبيرة، يضغط المستخدمون على حكوماتهم للعمل بوسيلة "هاشتاق" مثل #ماذا يمكن أن يفعله ماگوفولي#؟ ويبرز هذا السؤال كثيرا في كينيا، الوجه الواعد لإفريقيا – ومن أكثر البلدان فسادا في القارة، وفقا للمنظمة الدولية للشفافية، هو في المرتبة الثالثة بعد دولتين شبه فاشلة، ليبيريا وسيراليون.
كل يوم ترد أخبار مثيرة حول النهب المذهل للمال العام: الأقلام وآلات النسخ التي يتم شراؤها بأثمان مضاعفة بالمقارنة مع السوق. الملايين الوهمية تدفع للمقاولين لخدمات وهمية. ومنشآت صناعية للدولة تختفي ببساطة - أو يتم بيعها كخردة أو أجزاء من قبل مسؤوليها التنفيذيين. وبحسب ما ورد مؤخرا فقد اختفى نصف مبلغ 2.5 مليار دولار تم إصداره كسندات خارجية باليورو. ويتمتع أعضاء البرلمان بأعلى الأجور في العالم، ما يتسبب في نفقات مهولة ومخجلة وسفريات باهظة الثمن، بينما يتم قمع وكالات التحقيق الحكومية وحظر الصحفيين من الإدلاء بأشياء مسيئة للمشرعين.
والخبر السار هو أن عددا من هذه التجاوزات يتم فضحها من قبل مفتشي الحكومة والمصلحين المصرين على التغيير، ويشجعهم على ذلك الرئيس أوهورو كينياتا، الذي أطلق أكبر حملة للحكامة الرشيدة على الإطلاق.
في الأسابيع القليلة الماضية، أقال كينياتا، وهو نجل أول رئيس لكينيا، ثلث حكومته "للحد من الفساد المستشري" حسب قوله، وداهمت الشرطة منازل كبار المسؤولين، وصادرت أكياسا من النقود على الأقل في حالة واحدة على سبيل المثال، ووضعت الحكومة الأسعار المرجعية للمشتريات العامة، و أنشأت محاكم الفساد الخاصة، ووضعت ما يسمى ب "نمط الحياة" لمراجعات المناصب العليا في الدولة.
يشك العديد من الكينيين في الإصلاح لأن الفساد ينخر المجتمع، والعصابات الإجرامية قوية جدا ويعتقدون أن لا جدوى من الخطاب السياسي الشجاع الذي يحدث أي تأثير. لكن التقدم يجب أن يبدأ في مكان ما، وآن الأوان لأصدقاء كينيا الدوليين لتقديم الدعم.
في يوليو، وقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتفاقا لمساعدة كينيا في حربها على الفساد. كما يوجد تعاون ثنائي لمكافحة الإرهاب، ويركز الاتفاق على منع التدفقات المالية غير المشروعة، بالإضافة إلى استعادة الأصول المسروقة. ومنذ ذلك الحين فرضت الولايات المتحدة حظرا على دخول عدد غير محدد من الموظفين العموميين. ويجب على الدول الأوروبية أن تحذو حذوها، في كينيا وبلدان أخرى.
حث رئيس نيجيريا بوهاري المجتمع الدولي للقضاء على الملاذات الآمنة حيث يخبئ القادة الفاسدون الثروة المسروقة. وقد يشكل تجميد الأرصدة الأجنبية للمسؤولين قيد التحقيق خطوة كبيرة، من شأنه مصادرة الأصول المحلية المختلسة. ومن المتوقع أن تقوم كينيا بذلك في وقت قريب.
الأهم هو إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب. فقد أفرزت دراسة ستنشر لاحقا قام بها الشباب الكيني في معهد شرق أفريقيا في جامعة أغا خان نتائج مذهلة تشير إلى "غياب النزاهة." ويعتقد نصف المستطلعين أنه لا يهم كيف تم اكتساب المال، وقال ثلثهم إنهم سوف يعطون أو يأخذون الرشوة بسهولة. أما ثلاث أرباع المستطلعين فصرحوا أنهم لن يفضحوا الفساد خوفا من العقاب.
تغيير هذه العقلية أمر بالغ الأهمية. لن يتم محو الفساد في أفريقيا أو في أي بلد آخر. ولكن يجب أن تعتبر هذه الظاهرة انحرافا لا قاعدة مطلقة.

مدير الاتصالات السابق للأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، وهو عميد كلية وسائل الإعلام والاتصالات في جامعة أغا خان في نيروبي.