عمان و"فرص" الإنسحاب من مجلس التعاون

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٤/يوليو/٢٠١٦ ٠٣:٤٩ ص
عمان و"فرص" الإنسحاب من مجلس التعاون

فريد أحمد حسن

فور الإعلان عن قرار بريطانيا الإنسحاب من الاتحاد الأوروبي اعتبر البعض أن الفرصة مواتية الآن لسلطنة عمان كي تعلن الإنسحاب من مجلس التعاون الخليجي . ذلك البعض انطلق في "اعتباره" هذا من فكرة أن السلطنة تنوي وترغب في الإنسحاب من المجلس ولكنها لا تتوفر على الأسباب التي تعينها على القيام بهذه الخطوة وليس لديها ما يمكن أن ترتكز عليه من مبررات . وهذا خطأ كبير وقع فيه ذلك البعض ، والسبب هو أن سلطنة عمان لو كانت تريد التخلي عن عضويتها في هذا المجلس أو في غيره من المجالس والمنظمات أو كانت تريد اتخاذ أي قرار فإنها لن تتأخر عن اتخاذه طالما أنها مقتنعة به وطالما أنه يصب في مصلحة الشعب العماني ، فالسلطنة ليست في حاجة إلى "اقتناص" الفرص للإنسحاب من مجلس التعاون خصوصا وأن سياستها واضحة ودورها في المجلس واضح ومعروف بالنسبة لبقية الأعضاء ، وكذلك مواقفها التي توازن فيها عادة بين أمرين هما الاستقلال بالرأي والموقف والإلتزام بأساسيات هذه المنظومة التي هي منذ نشأتها منظومة أريد منها أن تحفظ لأعضائها أمنها وسلامتها ، وإن ظلت ترنو إلى الوحدة (تؤكد المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون على أن من أهداف المجلس الأساسية "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين .. وصولا إلى وحدتها" ، كما أن أحكام النظام الأساسي لا تتضمن نصا صريحا يقضي بإنشاء اتحاد كونفدرالي أو فدرالي بين الدول الأعضاء) .
في دراسة للدكتور حسين محمد البحارنة عنوانها "مجلس التعاون الخليجي ودوره الرائد في تحقيق الوحدة الخليجية" نشرت قبل أكثر من عشرين عاما نبه إلى أن قيام مجلس التعاون "جاء بمثابة صرخة من دول المنطقة مفادها أن هذا الجزء من الوطن العربي الذي تتهدده الأخطار لقادر على درئها" ، أي أن تأسيس المجلس جاء تعبيرا عن هاجس أمني بالدرجة الأولى وهو انتصار الثورة في إيران والحرب العراقية الإيرانية التي تهددت المنطقة ، لكنه – المجلس - استفاد من المشتركات بين شعوب الدول الست الأعضاء فيه . كما أشار إلى أنه "يمكن اعتبار النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي بمثابة اتفاقية دولية جماعية بين أعضائه لها صفة الديمومة ، فهي جامعة في نصوصها لصفة المعاهدة الدولية الموقعة بين ست دول مستقلة ذات سيادة تنشد التعاون والتنسيق في سياستها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية والنقدية والدفاعية والأمنية" . ومثل هذه الإتفاقية لا تتضرر منها أي دولة عضو في المجلس بل على العكس يمكن أن تفيدها كلها ، وهكذا فإن المنطق يقضي بمواصلة كل الدول في عضويتها في هذا المجلس .
أيضا فإن طبيعة مجلس التعاون ونظامه الأساسي لا تفرضان على دوله الإلتزام بموقف واحد إزاء كل القضايا وإنما "التنسيق" فيما بينها ، وهما يوفران لكل دولة عضو اتخاذ ما تشاء من مواقف ترى أنها تعبر عنها ومقتنعة بها ، ولولا هذا لكان مصير مجلس التعاون إما الفشل أو الاتحاد ، وكلاهما غير ممكن من الناحية العملية ، فطبيعة المنطقة وظروفها لا تسمح بفشل هذا المشروع المهم ولا تسمح بتحولها – اليوم على الأقل – إلى اتحاد .
أمثلة كثيرة تتوفر على استيعاب مجلس التعاون لاختلاف المواقف بين أعضائه ، ففي الوقت الذي يتخذ البعض منهم مثلا موقفا سالبا من جماعة الإخوان المسلمين يقف بعض آخر مدافعا عنهم ويعتقد أنهم ظلموا في مصر وأنهم هم أصحاب الشرعية وهم من ينبغي أن يدعموا ويؤيدوا ، بينما تقف سلطنة عمان - كما هي سياستها دائما – على الحياد ، وهذا حقها مثلما أن الموقفين السالب والموجب من جماعة الإخوان المسلمين حق للأعضاء الآخرين . والأمر نفسه فيما يخص الموقف مما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا وفي غيرها من البلاد العربية وغير العربية .
اختلاف المواقف بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون لا يخالف النظام الأساسي له ولا يمكن أن يكون سببا يؤدي إلى فرط عقد المنظومة ، ذلك أن الهدف الأساس من إنشاء المجلس متحقق في كل الأحوال ، كما أن كل الأعضاء فيه يدركون التداعيات السالبة على المنطقة في حالة اتخاذ أحدها قرارا بالإنسحاب من المنظومة ، ويدركون أن مثل هذه الخطوة لا تعبر عن شعوب دول التعاون التي صارت شريكا أساسا في مجلس التعاون وصار قادة المجلس يصدرون قرارتهم بناء على مصلحتها (مجلس التعاون تأسس برغبة من قادته وبقرار منهم ، لكن شعوب التعاون صارت اليوم شريكا فيه وفي قرارات قادته) .
ما ينبغي التأكيد عليه هو أن قرارات مجلس التعاون لا تمس سيادة الدول الأعضاء فيه ، وهذا يكفي لعدم التفكير في الإنسحاب منه ، خصوصا وأن التجربة التي عمرها الآن أربعة عقود أكدت أن المجلس كان سببا أساسا في تعميق وتوثيق الروابط والصلات بين شعوب الخليج العربي في مختلف المجالات ووفر وجوها كثيرة للتعاون فيما بينها .
استمرار دول التعاون في هذه المنظومة إن لم يفدها فإنه لا يضرها ، وبالتالي فإن فكرة الإنسحاب من المجلس تظل بعيدة ، عدا أن أي دولة من دوله لا تحتاج لتوفر الفرص لتفعل ذلك لو أنها أرادته ، فهذا قرارها ، وهو حقها . من هنا فإنه غير وارد أن تستغل سلطنة عمان فرصة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتنسحب من مجلس التعاون ، كما قال البعض ، وكما يتمنى البعض ويحلم .

كاتب بحريني