مسقط -
أيام معدودة تفصلنا عن إجازة عيد الفطر السعيد، التي ينتظرها الجميع وأعدت لها العدة من أجل تقضيتها مع الأهل وسط الأجواء العائلية الحميمة، أو بالرحلات والسياحة الداخلية للأماكن الجميلة التي تزخر بها السلطنة، من طبيعة خلابة وتضاريس متنوعة بكل ما فيها من جمال في السهل أو الجبل أو الساحل، والتي تقودك من النظرة الأولى إلى جاذبية مدهشة، وتجذبك إلى سبر أغوارها واكتشافها والاستمتاع بتنوعها.
إن كنت في العاصمة مسقط قرارك بزيارة أحد المتنزهات أو الحدائق العامة أو ارتياد الشواطئ أو زيارة الأماكن السياحية مع أسرتك أو أصحابك أثناء الإجازة هو اختيار جيد، لتقضية أوقات هادئة، والاستمتاع بلم الشمل معهم، والتي هيأتها بلدية مسقط لكي تكون مناسبة لمختلف الفئات العمرية للتسلية والترفيه، وتلبية كافة سبل الراحة للأفراد.
تشويه المرافق العامة
أحياناً كثيرة تقصد العائلات المتنزهات والحدائق العامة للترويح عن النفس، والابتعاد عن روتين الحياة المتعب، وتلافياً لنمط الحياة المتكرر، وتقضية أوقات عائلية هادئة في المساحات الخضراء التي تكتسي بها هذه المتنزهات، حيث تحتضن محافظة مسقط 135 متنزهاً وحديقة متوزعة بين ولاياتها الستة، وفي أغلب الأحياء السكنية تم تزويدها بالألعاب والمرافق الضرورية، والتي تشهد ازدياداً في أعداد المرتادين خلال فترة الإجازات.
وتبرز خلال هذه الفترة شريحة من الأفراد وهم أقلية، من الذين يتسببون بتشويه المرافق العامة والمناظر الجميلة، فمن ضمن المشاهد التي أصبح لا بد أن نصادفها نرى بعضهم يأكل ويرمي مخلفات طعامه، والبعض الآخر يجلس ويترك مخلفات الطعام حيث مجلسه، وآخرين ممن يسيئون استعمال المرافق المتاحة، والتي هي لا شك تصرفات فردية تنم عن فئات غير مكترثة ولا مبالية ينقصها الوعي والإحساس بالمسؤولية.
شواطئ جميلة ملوثة
كذلك هو حال الشواطئ، فالعاصمة مسقط تزخر بشواطئها الجميلة والهادئة والتي هي مقصد العائلات والشباب بمختلف الأعمار للاستمتاع بزرقة مياهها وصفاء تربتها لممارسة بعض الهوايات كالمشي والجري وغيره، إلا أنه يعكر صفو المشهد وجود بعض الفئات من راكبي الدرّاجات الرباعية أو بعض السيارات ذات الدفع الرباعي التي تتخذ من الشواطئ ورمالها مكاناً لها لممارسة هوايتها، والاستعراض أمام الجالسين من الأفراد والأسر متسببين بإحداث ضوضاء وإزعاج لمرتادي الشاطئ، والتي تحد من حرية الأسر والشباب، متناسين أن الشواطئ خصصت للاستمتاع بها، وليس لممارسة هوايات الاستعراض بالسيارات على جوانبها، بالرغم من وجود أماكن أخرى مخصصة لتلك الهواية.
كما تبرز في الوقت نفسه بعض الممارسات والسلوكيات الخاطئة في الشواطئ خلال فترة الإجازة، منها ترك مخلفات الطعام والمخلفات الصلبة على الشواطئ، ما يسبب أضراراً على البيئة البحرية ويشوه منظر الشاطئ، ليحرم مرتاديه من الاستماع بالجلوس، وتمضية الأوقات فيه إلى جانب القيام بشي اللحوم، وترك مخلفات الشواء على الشواطئ.
مسؤولية مشتركة
ويُرجع كثير من الأفراد هذا النوع من السلوكيات المضـــرة بالبيــــئة إلى نقص في الوعي بأهميتها، وهي مســؤولية مشتركة بين الفرد نفسه والأسرة التي ساهمت بتنشئته، والمدرسة التي يعول عليها في كثير من الأوقات تقـــويم السلوكيات وتوجيهها.
وأوضح المواطن حمد بن خليفة الحسني أنه يرتاد غالباً شاطئي القرم والعذيبة للتنزه، وممارسة رياضة المشي، ويلاحظ وجود بعض السلوكيات غير الحسنة في قيام بعض العائلات والأفراد بترك مخلفات الأطعمة في المسطحات الخضراء، وفي الاستراحات والممرات، ما يشوه المظهر العام، ويؤثر سلباً على البيئة، مشيراً إلى أن التوعية الذاتية للأفراد هي الأساس في التعامل مع البيئة لتبقى مصونة صحية لمختلف الأجيال.
وأشار الحسني إلى ضرورة مبادرة جهات الاختصاص بوضع كاميرات مراقبة على الأماكن الحيوية، وكذلك تشديد القوانين والعقوبات على المخالفين، مؤكداً أهمية تعاون الجميع لما فيه الصالح العام من أجل القضاء على هذه الظواهر ابتداءً من المنزل والمدرسة والمؤسسات الحكومية والخاصة، وذلك من خلال عمل ملتقيات وحملات توعوية وبث رسائل تحث على المحافظة على النظافة، وترسخ المبادئ الفاضلة بين المجتمع.
رمي المخلفات
ويقول خالد بن شافي الحبسي أنه غالباً يرتاد شاطئ السيب وواجهة السيب البحرية ورغم الجماليات التي يتفرّد بها المكان، وقيام بلدية مسقط بتطوير الواجهة وتزويدها بالمرافق والخدمات، إلا أنه للأسف هناك من يلوث تلك الجمالية، ويعكر صفاءها برمي المخلفات وبقايا الشوي، بالإضافة إلى انتشار القطع الزجاجية المتناثرة وأعواد المشاكيك، والتي تمثل خطورة لمرتادي الشواطئ، وتزعج ممارسي الرياضات الشاطئية، فهذه تعد مظاهر غير حضارية وتكلف الدولة مبالغ مخصصة للنظافة والعمّال الذين يشتغلون لذلك.
ويقترح الحبسي قيام الجهات المعنية بالنظافة والسياحة ببث رسائل توعوية كمقاطع مصورة ومواد صوتية ورسومات الجرافيك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لما لها من تأثير ومتابعين كثر، وكذلك عمل مسابقات في مواقع التواصل لتحفيز الجمهور على انتهاج السلوكيات الصحيحة في التعامل مع مرافق وممتلكات الدولة التي حتما تخدم الجميع، ويستفيد منها الأفراد والعائلات.
من جانبها اهتمت بلدية مسقط بالشواطئ، وأولتها عناية فائقة وزودتها بممرات المشاة وألعاب للأطفال، فضلاً عن توفير الكميات المناسبة من سلال المهملات لتتناسب مع كميات الاستهلاك، بالإضافة إلى وجود عمّال النظافة الذين يعملون وفق دوريات ومناوبات للاهتمام بنظافة هذه الأماكن الحيوية. كما قامت البلدية بتركيب عشرات من اللافتات التوعوية التي تحظر وتمنع ممارسة ركوب الدراجات في الشواطئ، وذلك بالتنسيق مع شرطة عُمان السلطانية لضبط المخالفين.
ظواهر سلبية
وتعقيباً على الظواهر السلبية المنتشرة، تقول الباحثة الاجتماعية رجاء العامرية إن سلوكيات الفرد في الأماكن العامة هي مرآة تعكس سلوكياته وقناعاته التي يمارسها من بيئته الداخلية في المنزل، وتعبّر عن جوهر ذاته تجاه كل ما هو محيط به، فجمال منزلك ونظافته هي من نظافة مدينتك. فكل فرد تقع على عاتقه المحافظة على البيئة كونها مبدأ وقاعدة دينية في الأساس قبل أن تكون مسؤولية اجتماعية فحسب.
وتضيف أن إجازة عيد الفطر فرصة جيدة لقضاء الأوقات بصحبة العائلة أو مع الأصدقاء، سواء تمضية الأوقات في الشواطئ الجميلة التي تحتضنها العاصمة مسقط أو في الحدائق والمتنزهات التي تتوزع في مختلف ولايات المحافظة، وفي أغلب الأحياء السكنية والتي توفر أجواءً هادئة للراحة والاستجمام بعيداً عن الضــوضــاء وصخــب الحياة في المدينة، وإن رؤية مثل هذه الأماكن العامة نظيفة هو أمر مبعث للراحة النفسية، فالجــدير بمرتادي تلك الأماكن الاستمتاع بها دون ترك أي آثار سلبية.
واجب وطني
وقالت العامرية: للأسف توجد بعض الفئات غير الواعية واللامسؤولة من مرتادي الشواطئ والمتنزهات، والتي تعبث بالمرافق، وترمي القمامة في غير الأماكن المخصصة لها، بالرغم من وجود سلال المهملات، ما يسهم في إيجاد منظر غير حضاري، ولا يعكس بيئة ولا طبيعة المجتمع العُماني، إنما هي تصرفات فردية غير مسؤولة.
وأردفت قائلة إن مكاتب التوعية بالمديريات العامة لبلدية مسقط، تقوم بتوعية مختلف شرائح المجتمع، وذلك بهدف تقويم السلوكيات الخاطئة تجاه البيئة، ورفع حس المسؤولية الاجتماعية، وإشراك الأفراد بالعمل البلدي، والتي غالباً ما تركز على شريحة الصغار في السن وطلاب المدارس، كونهم الفئة المستهدفة لنقل المعارف لبيئتهم، وزرع القناعات والأفكار القويمة لديهم منذ الصغر، حتى يسهم ذلك في إيجاد وتربية جيل واعٍ ومسؤول بأهمية المحافظة على نظافة البيئة من حوله. وعلى الرغم من ذلك لا يختلف اثنان على أن نظافة البيئة وجمالها واجب وطني يفرض علينا احترامه والالتزام به، والعمل على تفعيله وتمكينه، كنوع من رد الجميل تجاه أرض الوطن التي ننتمي إليها.. لتبقى نظيفة نضرة تعكس جوهر التناغم المشترك وحـب الوطــن.