مسقط -
أقامت الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء في مقرها، ممثلة في لجنة الفلسفة أمس الأول محاضرة فكرية فلسفية حملت عنوان «العوامل التاريخية في علم الكلام الإسلامي.. قراءة لكتابي الأسعد النجار والطارشي» قدمها الباحث د.سعود الزدجالي وأدارت المحاضرة عالية السعدية.
قدمت المحاضرة رؤية تحليلية وقراءة نقدية في أهم القضايا المطروحة في كتابين: الأول بعنوان: «أصول الدين من خلال مجموعة شروح الفقه الأكبر» لمؤلفه الأسعد النجار الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود عبر المركز الثقافي العربي سنة 2015 والثاني بعنوان: «علم الكلام بين الدين والسياسة» للباحث العماني سعيد الطارشي الصادر عن دار الفرقد.
وخلال المحاضرة وصف د.الزدجالي الكتابين من خلال طرح أهم المنطلقات المنهجية، فقد وصف كتاب الأسعد النجار بأنه سعى إلى مساءلة النصوص التراثية في مظانها الأصلية بعيداً عن منطق الانحياز والانتقاء، مع عدم الاطمئنان إلى ما ينسبه الشارحون إلى غيرهم من آراء وأقوال؛ لأنهم يعتمدون «التقويل» و«المغالطة» أحياناً، والاعتماد على المنهج المقارن ومقارعة النصوص بغية تحقيق النظرة الشمولية مع محاولة تمثّل «المتلقي» الحاضر الغائب في مؤلفات الشارحين.
وأشار إلى أن أبرز ما يميز هذا الكتاب علاقة المعطيات الكلامية بالسيرورة السياسية في الحضارة الإسلامية؛ لذا فإن اتخاذ التراث الإسلامي ليكون «رأس المال» في بناء حاضر جديد للأمة قضية تكتنفها إشكالات جدلية كثيرة؛ وحول هذا الجانب يتقاطع الكتاب مع الكتاب الثاني محور المحاضرة وهو «علم الكلام بين الدين والسياسة» لسعيد الطارشي.
«علم الكلام بين الدين والسياسة»
يتمثل كتاب «علم الكلام بين الدين والسياسة» لسعيد الطارشي في خمس دراسات قدمها الباحث لتنضوي تحت العنوان السابق لكتابه، وهي: اتفاق دما وقضية خلق القرآن العمانية بين الدين والسياسة والولاية والبراءة والوقوف غطاء ديني ومضمون سياسي ونظرية الإمامة الإباضية دين أم سياسة والغزالي وأهمية المحبة والأخوة وعبدالقاهر البغدادي سيرته وكتابه أصول الدين، وهي في الأصل مقالات بحثية نشرها المؤلف متفرقة.
ورأى الزدجالي أن الكتاب الثاني يلتقي مع كتاب النجار في أجزاء من منهج الأول، وفي بعض المضامين والقضايا المطروحة، وأن المؤلف يمتلك عدة منهجية قادرة على التحليل، وقادر على ضبط مسارات البحث بعيداً عن الاستطراد، مع ملاحظة غياب بعض المصطلحات المركزية كـ«الكلام النفسي».
وطرح د.سعود الزدجالي تساؤلا مفاده: ماذا نقصد بالعوامل التاريخية المؤثرة في علم الكلام الإسلامي؟ وللإجابة عن السؤال يقول الزدجالي: لا بد من التفريق بين ما هو «ديني»، وما هو «دنيوي»، أو ما هو دين، وما هو تفسير، وما هو أزلي، وما هو تاريخي، مشيرا بقوله إلى أنه من الصعوبة البالغة تنقية «الدين» مما علق به من الثقافة والتفسير والتدين والأيديولوجيات والسياسة والأهواء والخرافة؛ حتى أصبح مصطلح الدين مصطلحاً جدلياً غير محايد؛ لذا نقف على ارتكازات نعدها مصادرات مهمة، تتمثل في أن الدين أصبح ظاهرة إنسانية مدروسة، وهو موضوع علم مستقل كما يدّعي المستشرق غولدتسيهر، وأن أصل الدين هو إدراك فطري في الإنسان بعنصر «السببية»؛ وتاليا يجعل الإنسان في بحث دؤوب عن العلة النهائية أو الأولى، أو هو شعور الإنسان بتبعيته لقوة عليا، أو حدس اللانهائي، أو «الخارج- تاريخي» أو هو الزهد في العالم.
وانتقل د.الزدجالي في حديثه حول هذه المحاضرة إلى إشكالات مصطلح أصول الدين، ومن بينها الخلط بين مسائل أصول الفقه، والفقه، والكلام، وانعدام مصداقية مصطلح أصول الدين مقارنة بأصول الفقه، والدوران بين قطبين متناقضين تقريباً، أو متضادين ظاهرياً هما «النص» و«التنزيه»؛ فالنص يقتضي التسليم، والتنزيه يقتضي مساءلة النص، وزج المسائل الفقهية في الكلام، وهو مقصود ومتعمد لممارسة التمييز والإقصاء.
وانطلق في حديثه أيضا من نقاط أخرى حددها في قراءته لهذين الكتابين تتمثل في أنه لا يمكن الفصل بين «السلطة» بكل تجلياتها ومستوياتها، وكل من «الدين» و«الثقافة»، ولو أننا أمعنا النظر في تاريخ السلطة في الحضارة الإسلامية - بحسب قوله - لوجدناها بين مدّ وجزر، يجعل من النزعات الفكرية متلونة بألوانها.
وفي خضم رؤيته حول الكتابين والمقارنة بينهما قال د.الزدجالي إن المدارس الكلامية تخضع في تطورها لا لأنها تتسم بدرجة عالية من الإقناع، وإنما بما يحيط بها من عوامل تاريخية: سياسية واجتماعية؛ فالسلطة تمد مدرسة بعينها «المال» و«القوة» لتكون هي «الحاضر الواحد»؛ فينتج الصراع بين المدارس الكلامية، ولكن الصراع ينتج «التأثر» بالفرق الأقل سلطة.