فيما كان الليل يهبط على أول يوم أبدأ فيه استكشافي مدينة جوانزو أو غوانزو الصينية، عرفت متأخراً أنها ذاتها مدينة كانتون التي ارتبطت لدينا ذهنياً برحلة السفينة صحار من عُمان إلى الصين كعلامة على الحضور العُماني المبكر في هذه البلاد.
كان دليلنا في استكشاف المكان يونس الحسني.. وقد خبر البلاد وناسها ولغتها منذ أن زارها للمرة الأولى قبل 15 عاماً وأقام فيها بصورة شبه دائمة منذ عشر سنوات، يواصل دراسته فيها منذ أن أنهى شهادة البكالوريوس وصولا إلى طموحه بالدكتوراه منها واستمراراً في علاقته بعالم الأعمال فيها حيث يعمل في مجالي الاستيراد والتصدير.
بجوار سير الحقائب كانت الأصوات تدعونا لأخذ شرائح الهاتف، وقبل أن أتسلم حقيبتي من السير كان هاتفي يتحدث الصينية ويفرض شروطه على خدمة الإنترنت.. لن أعرف طريق الاستخدام للوصول إلى ثلاثة مواقع أساسية في علاقتي مع هذه الشبكة العنكبوتية.. بريدي الإلكتروني عبر جوجل.. وفيسبوك وتويتر؛ لأن الحكومة الصينية حرمت هذه المواقع. وأحسب أن المنع اقتصادي أكثر من كونه خوفاً أو مصادرة للحرية إذ يمكن كسر المنع بمهارات الهاكرز. وما أذكاهم في الصين.
وحتى أعثر على وسيلة هاكرزية لم يكن أمامي من وسيلة لإرسال مقالي اليومي إلا عبر الباقي: الواتساب.
وإذ ننتقل عبر المترو تظهر لنا أي مدينة هذه، مستوى الهدوء والنظافة والنظام والملابس وغيرها من العلامات الدالة على مستوى أي مدينة.. الاقتصادي والثقافي، اللغة الصاخبة على الألسن رغم قلة عدد المتحدثين، ورقي العربات بعبورها بين محطات أنيقة وحديثة كما تبدو.
كان الليل يهبط أبكر مما اعتادته عقارب وقتنا في مسقط حيث فارق التوقيت أربع ساعات، كان البحث عن مطعم عربي وفق الحالة المزاجية، وكان الحظ معنا لوقوع فندق إقامتنا قريباً من سوق يمكن القول إنه عربي حيث اللوحات على واجهات المحلات تتحدث بلغة الضاد والمتسولون يشبهوننا ويستخدمون القرآن في حث العابرين من العرب والمسلمين على التصدق. في أحد المحلات التجارية الصغيرة المنزوية في مدخل صغير لبضعة محلات شعرت أنني في أحد دكاكين سوق داخلي بمكة المكرمة.
تجاورت المطاعم العربية وتنوعت.. ولكل منها مذاقها ومزاجها..
في مطعم يمني شعرت أنني في صنعاء، لغة النداء بين العاملين والزبائن الذين توزعوا على جنسيات شتى أغلبها عربية. نحن من عُمان بجوار آخرين من اليمن والسودان والعراق ومصر ولهجة خليجية لم نتبيّن مصدرها جيدا.. والأكلات ما ألذها.. الخبز الملوح بجوار الفحسة والمندي وغيرها مما اجتاحه المطبخ اليمني لمدن العالم متتبعاً المزاج العربي في الطعام أينما حل وارتحل.
ليس ببعيد عنه تغيرت الملامح، قال يونس إن أغلب الساكنين هنا من الأفارقة ويمتلكون محلات هنا.. في هذه البلاد، رغم العدد الهائل للبشر فيها، هناك متسع لشتى الأجناس والجنسيات.. تذكرت رواية بيرل باك «الأرض الطيبة» ولا أدري لماذا خطرت ببالي رواية البجعات الثلاث.. ملحمة الصين وثورتها الحمراء عبر ثلاثة أجيال ترويها ثلاث نساء.
وللحديث عن المدينة.. بقية.