جيتا جوبيناث
استُقبِل القرار الذي اتخذه راغورام راجان بعدم السعي إلى شغل منصب محافظ بنك الاحتياطي الهندي (البنك المركزي الهندي) لفترة ولاية ثانية بالصدمة من قِبَل أمثالنا الذين كانوا يهللون للاقتصاد الهندي. ورغم أنه ليس سرا أن حكومة رئيس الوزراء نارندرا مودي ليست على وفاق مع راجان، فإن قليلين هم من يعتقدون أن الحكومة كانت لتتخذ مثل هذه الخطوة الكفيلة بتقويض مصالح الهند بهذا القدر من الوضوح.
الواقع أن الحكومة لم تُبد قَط إعجابها بإصرار راجان على ملاحقة خفض أسعار الفائدة تدريجيا من أجل تعزيز استقرار الأسعار؛ فهي كانت راغبة بدلا من ذلك في خفضها بقوة لتحفيز النمو. ولم تكن الحكومة متحمسة بشكل خاص للدور الذي يلعبه راجان كمفكر شعبي. ثم في الأسابيع الخمسة الماضية، اندلعت نوبة سامة وغريبة من الانتقادات من قِبَل المقربين من الحكومة، وكانت تركز على أداء راجان وافتقاره المفترض إلى "الانتماء للهند".
وبرغم كل هذا، كانت هناك أسباب مقنعة للاعتقاد بأن حكومة مودي سوف تُبقي راجان في منصبه.
ففي المقام الأول من الأهمية، تتعارض خسارة رجل مثل راجان مع التزام حكومة مودي، غير المسبوق في التاريخ الحديث، بجذب الاستثمار الأجنبي إلى الهند. ومنذ تولى مودي منصبه في عام 2014، أنفق وقتا أطول من أي من أسلافه في الترويج لما يسمى الحلم الهندي للمستثمرين الأجانب ــ وهي الجهود التي ساعدت في حفز الزيادة في تدفقات رأس المال إلى الهند. وكان الإعلان مؤخرا عن اعتزام الهند الآن، وللمرة الأولى، السماح بملكية الأجانب للشركات بنسبة 100% في نطاق واسع من الصناعات سببا في تعزيز رسالة مفادها أن الهند مفتوحة للأعمال.
لكن التأثير الإيجابي لهذه التطورات ربما يتراجع بفِعل رحيل راجان. ذلك أن إدارته الممتازة للتضخم، التي حافظت على استقرار الروبية الهندية، ساعدت أيضا في دعم جهود مودي الرامية إلى جذب الاستثمار المباشر الأجنبي. كما ساعد تعزز مؤشرات الاقتصاد الكلي الأخرى في عهد راجان، بما في ذلك تضخم الاحتياطيات من النقد الأجنبي وتراجع عجز الحساب الجاري، في تعزيز ثقة المستثمرين المحتملين.
ولأن الدافع الرئيسي وراء السلوك الرسمي الذي دفع راجان بعيدا كان معارضة الحزب الحاكم لموقفه الصارم من التضخم، فيبدو من المرجح أن تتلقى ثقة المستثمرين في نهاية المطاف ضربة قوية، وإن كان هذا قد يأتي بشكل مؤقت محتجبا خلف الإعلان عن تخفيف قواعد الاستثمار الأجنبي. وإذا أضفنا إلى هذا التساؤلات التي ستنشأ لا محالة بشأن استقلال بنك الاحتياطي الهندي، فسوف يتبين لنا بوضوح تام حجم الضرر الذي قد يلحق بنجاحات مودي التي تحققت بشق الأنفس، نتيجة لرحيل راجان.
السبب الثاني الذي يفسر لماذا كان رحيل راجان صادما إلى هذا الحد هو أن حكومة مودي لديها سجل حافل من اتخاذ الاختيارات الصعبة، بدلا من اللجوء إلى السياسات الشعبوية، في إدارة الشؤون المالية. والواقع أنها أظهرت قدرة لافتة للنظر على ضبط النفس في الإبقاء على العجز المالي عند مستويات معقولة. ولكنها تواصل رغم ذلك إلقاء اللوم عن ضعف الطلب على رفض راجان خفض أسعار الفائدة بقوة، بدلا من تحميل وزارة المالية المسؤولية بسبب فشلها في زيادة الإنفاق أو خفض الضرائب بالقدر الكافي على سبيل المثال. ولا أقصد بهذا أن أدعي أن أسعار الفائدة في الهند لم يكن من الممكن خفضها إلى مستويات أدنى. فالحقيقة أن المجال مفتوح لمناقشة هذا الموضوع. ولكن في تكوين الرأي، ينبغي لنا أن نضع بعض الحقائق في الاعتبار.
فأولا، كانت كل حالات مكافحة التضخم تقريبا مرتبطة تاريخيا بفترة انتقالية تتسم بتأثر النمو سلبا. وقد انتهت الحال بالدول التي حافظت على انضباطها، مثل شيلي، إلى تحقيق النمو المستدام؛ أما تلك التي استسلمت مثل الأرجنتين فقد انتهت بها الحال إلى التضخم المرتفع وعدم النمو.
ثانيا، في تفسير تدني مستويات الاستثمار وخلق فرص العمل، هناك العديد من الأسباب المحتملة بجانب أسعار الفائدة. فقد تسببت أعباء الديون الضخمة التي تتحملها أكبر شركات الهند وذلك القدر الهائل من الأصول الرديئة التي تحتفظ بها أكبر بنوكها في خلق علاقة غير مقدسة تحول دون تحقيق النمو المستدام ــ ولا يمكن التعويض عنها بخفض أسعار الفائدة. والواقع أن تجربة اليابان، حيث لم تكن حتى أسعار الفائدة السلبية كافية لحفز النمو في اقتصاد مُثقَل بأعباء ما يسمى البنوك الحية الميتة، تُظهِر هذه الحقيقة بوضوح شديد.
على مدى العامين الماضيين، تمكنت الهند بفضل العمل الجاد من جانب حكومة مودي وبنك الاحتياطي الهندي بقيادة راجان من تمييز نفسها بين اقتصادات الأسواق الناشئة. وبينما زَلَّت دول مثل الصين والبرازيل في إدارتها الاقتصادية، أثبتت الهند نضوجها الاقتصادي، حيث كانت قرارات الاقتصاد الكلي الحصيفة تتخذ استنادا إلى الخبرة المهنية وليس النزوات السياسية. وكان هذا كافيا لتحسين صورتها على الساحة الدولية بشكل كبير.
ولكن في أعقاب الخلاف الذي نشب بين راجان والحكومة ــ ونظرا للهيئة البغيضة التي اتخذها ذلك الخلاف ــ ينشأ الآن من الأسباب ما يدعو إلى القلق من أن تتعثر الهند أيضا في إدارتها لاقتصادها. فمع تعافي أسعار السلع الأساسية، وتنامي مخاطر الهبوط الحاد في الصين، ومواجهة الاتحاد الأوروبي لمستقبل غير واضح، لا تملك الهند ترف الوصول إلى مثل هذه النتيجة.
الحق أن راجان كان ليصبح المرشح المثالي لتوجيه السياسة النقدية الهندية في هذا الوقت العصيب. والآن وقد رحل، لا يملك المرء إلا أن يتمنى أن يضمن مودي وحكومته اختيار محافظ جديد لبنك الاحتياطي الهندي لا يقل كفاءة وبراعة، ويتمتع بالقدرة ــ والاستقلال ــ لدعم مصداقية المؤسسة من خلال العمل الحاسم. وبمجرد أن يجدوا شخصا بهذه المواصفات، فينبغي لهم أن يتذكروا أن محافظي البنوك المركزية الممتازين لا يمكن الاستغناء عنهم.
جيتا جوبيناث أستاذة الاقتصاد في جامعة هارفارد.