سمعان كرم
لو اردنا ان نعرف كيف يسير الإقتصاد بشكل عام في بلدٍ ما، ننظر إلى مجموعة من المؤشرات مثل معَدل النمو، ونسبة الباحثين عن العمل، وإجمالي الناتج المحلي (Gross Domestic Product) وغيرها. وقد يكون هذا الأخير اهمَها اذ انه يشمل ضمناً غيره من المؤشرات بصورة عامة.
لو راقبنا حركة الناس اليومية من أفراد وشركات ومصانع وحكومات، نشاهد انهم يقومون بإنتاج السلع وتقديم الخدمات التي يحتاجها الناس لحياتهم اليومية من أكل وشربٍ وملابس ومجوهرات وعناية طبية وسيارات وتوقعات حالة الطقس وحلاقة الشعر. لنسمي هذه السلع والخدمات منتجات استهلاكية لها قيمة خاصة بها نشير إليها لاحقاً. هذا النوع من المنتجات الاستهلاكية تسهل علينا معرفته اذ اننا معنيون به مباشرة ويومياً. لكن على الصعيد الأوسع هناك ايضاً في المشهد الإقتصادي الواسع(macroeconomy) منتجات وخدمات لاتنتهي عند المستهلك، مثل الطرق والمطارات والجسور والموانئ والمعدات والمكاتب التي هي ايضاً لها قيمة يجب اخذها بعين الاعتبار عند احتساب "اجمالي الناتج المحلي". لنطلق عليها إذاً تسمية منتجات رأسمالية. وعلينا ايضاً ان نضيف على اللائحة عناصر غير مادية مثل مخرجات التعليم وزيادة المعرفة الناجمة عن الابحاث والابتكار والتي تعرف بالرأسمال البشري.
كلٌ من الفئتين يلعب دوراً مختلفاً في حياتنا وفي حركة الاقتصاد. اذا غابت المنتجات الاستهلاكية مثلا قد تتوقف الحركة والحياة خلال اسبوعٍ من الزمن اذ ينفذ الطعام والشراب والملابس . اما اذا توقفت المنتجات الرأسمالية تتدهور البنية الاساسية، وتخترب الطرق ويتراجع النمو وقد نعود الى مجتمع بدائي . هذه المقاربة تظهر الفرق الرئيسي بين الفئتين.
عندما نتسوق من مركزٍ تجاريٍ كبير ، يتواجد عادة طابور من الناس مع مشترياتهم ينتظرون دورهم لتسجيل قيمة تلك المشتريات بندأً بنداً على الآلة الحاسبة كي يسدد المستهلك مجموع القيمة. لنقَرب الصورة: لو وضعنا المنتجات والخدمات الاستهلاكية في طابورٍ واحدٍ وآلة حاسبة واحدة، ووضعنا المنتجات الرأسمالية في طابور آخر وآلة حاسبة ثانية وادخلنا قيمة البنود واحداً واحداً وجمعنا الإثنين نحصل بشكل عام على مايعرف" بإجمالي الناتج المحلي". فيقول المزارع انا انتجت رطبًا بقيمة كذا، وانا بنيت لي منزلاً بقيمة كذا، ويقول المدرَس انا علمت التلاميذ بتكفلة او قيمة كذا وانا وزارة النقل والإتصالات بنيت ميناءً بقيمة كذا. فتسجل الآلة الحاسبة كل منها وتضيفه على الرقم العام. نقول "اجمالي" لانه يشمل على كل المنتجات والخدمات من النوعين اي الاستهلاكية والرأسمالية ومن المصدرين اي الحكومي والخاص من مواطنين واسر. ونقول "محلي" لانه يشمل جميع انشطة العاملين على ارض الوطن من عمانين ومستثمرين اجانب ووافدين.
ماذا يخبرنا " اجمالي الناتج المحلي GDP؟ ماهي اهميته الفعلية؟ هل هو الذي يصنفنا بين الاغنياء او بين الفقراء؟ وهل نفرح اذا ارتفع ونحزن ان انخفض؟
مما لاشك فيه هو انه اذا ارتفع هذا الناتج، من المنطقي ان نتوقع ارتفاعاً في التوظيف وفي فرص العمل اذ نحتاج الى يد عاملة اكبر لزيادة الانتاج ان ظلت طرق الانتاج نفسها. كذلك اذا ارتفع حجم الانتاج يرتفع المدخول وبالتالي هناك علاقة حميمية بين " اجمالي الناتج المحلي" (GDP) وبين التوظيف والدخل الوطني وقدرتنا على شراء المنتجات والخدمات التي تحسن مستوى معيشتنا . بصورة عامة يمكننا القول بأن ارتفاع مؤشر (GDP) امر طيب.
وبالرغم من انه يبقى المؤشر الاكثر اهميةً وتداولا بين مؤشرات الاقتصاد الوطني، علينا ان نتعامل معه بحذر وان لانتسرع بالاستنتاجات. التحذير الأول ناجم عن التضخم اي ارتفاع الاسعار. كلنا يعلم ان اسعار السلع والخدمات تتضخم وترتفع مع الزمن وبالتالي ترتفع ايضاً قيمة الناتج المحلي دونما يزيد بالضرورة الانتاج الفعلي. لذلك يجب اجراء عملية تصحيح تأخذ بالاعتبار ذلك التضخم. من ناحية اخرى قد ترتفع الاسعار بتحسن جودة الخدمة دونما الزيادة في الانتاج. فخدمة سحب المبالغ من البنوك من الصَراف الآلي تشكل قفزة نوعية من الجودة والتسهيل على الزبائن ولها تكلفة إضافية يحتسبها الناتج المحلي دونما الزيادة في الانتاج.
كذلك لا يبين الناتج المحلي توزيع العائد على المواطنين. هل يحدث ذلك التوزيع بطريقة عادلة ومنصفة للجميع كما يحدث في السويد ام بطريقة مجحفة كما الحالة في المكسيك علماً بأن ناتج البلدين متقارب جداً بالقيمة.
وحيث ان مساعدات التنمية الاجتماعية وتعويضات الباحثين عن العمل لا تتم مقابل سلعة او خدمة فلا تدخل قيمتها في الاحتساب. على المحلل الإقتصادي ان يعي ذلك.
اخيراً فإن الدول تستورد من بعضها البعض وتصدر منتجات وخدمات وتربطها اتفاقيات تجارية لذلك الغرض. اذا صدرنا اكثر مما استوردنا يكون هناك رصيد ايجابي يضاف الى اجمالي الناتج المحلي. اما اذا استوردنا اكثر مما صدرنا، وهذا هو حالنا لو استثنينا النفط والغاز، يكون هناك رصيد سلبي يستخرج من المؤشر. للعلم فإن اجمالي الناتج المحلي في السلطنة هو في حدود 75 مليار دولار امريكي حالياً.
في الخلاصة يبقى مؤشر "اجمالي الناتج المحلي" ذات اهمية قصوى لمعرفة مايحدث في الحركة الاقتصادية ومراقبة تقدمها او تراجعها ومدى نموَها او تباطؤها.
_________________________________________________________________