دفيش كابور
يبدو أن القرار الذي اتخذه رجل الاقتصاد الذي يحظى باحترام واسع راغورام راجان بعدم الترشح لولاية ثانية كمحافظ لبنك الاحتياطي الهندي (البنك المركزي الهندي) من المرجح أن يعكر صفو الأسواق المالية في الهند، التي اعتبرته مرساة بالغة الأهمية لاقتصاد البلاد. والآن سوف يبادر المستثمرون إلى تشريح وتحليل العواقب التي قد يخلفها رحيله على قدرة السلطات النقدية على ضمان استقرار الأسعار وتشجيع النمو، أو إعادة بناء النظام المصرفي المبتلى بالقروض المتعثرة.
منذ تولى ألان جرينسبان رئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، اتجهت كل من الأسواق ووسائل الإعلام إلى الاحتفاء بالمؤسسات مثل البنوك المركزية وإضفاء الطابع الشخصي عليها. ولكن "تأثير جرينسبان" من الممكن أن يعيق التحليل النزيه الرزين.
كانت الخلافات بين بنك الاحتياطي الهندي وحكومة رئيس الوزراء نارندرا مودي حقيقية في ما يتصل بالسياسات، واشتعلت التوترات عندما رأى المسؤولون في التصريحات العلنية التي ألقاها راجان خروجا عن نطاق صلاحياته. ولكن الهجمات الشخصية غير الموضوعية على راجان في الأشهر الأخيرة تثير تساؤلات كبيرة تحمل عواقب وخيمة للهند.
والسؤال الأكثر أهمية هو: هل يستمر مودي في الحفاظ على غموضه الاستراتيجي بشأن معالجة العناصر المتطرفة في حزبه، أو هل يُظهِر الزعامة الحقيقية بكبح جماح خطب أعضاء حزبه التوبيخية المسهبة التي تتناول مؤسسات الدولة الأساسية وممارسة قدر أكبر من العناية والحرص في اختيار رؤساء المؤسسات العامة؟
كان سوبرامانيان سوامي المصدر الرئيسي للهجمات على راجان، وهو شخص ثرثار أقرب إلى شخصية دونالد ترامب ويميل بطبعه إلى التعصب والادعاءات الباطلة، والذي رشحه لعضوية مجلس الشيوخ في البرلمان الهندي هو حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي في أواخر إبريل. وبعد اختيار سوامي لعضوية البرلمان برغم سمعته البغيضة تسبب فشل الحكومة في كبح جماح هجماته العشوائية في إثارة التكهنات بأنها اختارته تحديدا لمهاجمة أولئك من أمثال راجان الذين ترغب في تقويض مراكزهم.
كانت نقطة الضعف المنفردة التي تعيب حكومة مودي متمثلة في ميلها عندما يتعلق الأمر بالمتطرفين من حزب بهاراتيا جاناتا إلى اللعب على كل الأوجه. وكان أحد أسباب الهجوم على راجان أنه يحظى بإقامة دائمة في الولايات المتحدة، وبرغم كونه مواطنا فإنه "ليس هنديا على المستوى الذهني".
كان هذا من قبيل النفاق الصارخ، خاصة وأن مودي كان يسافر في مختلف أنحاء العالم مشيدا بإنجازات ومساهمات المغتربين الهنود. ومن الواضح أن أصحاب أفضل وألمع العقول في الهند يتمتعون بحرية المساهمة بمواهبهم لصالح دول أخرى، ولكنهم يصبحون موضع اشتباه عندما يتعلق الأمر بمساعدة وطنهم. وإذا فعلوا ذلك فلابد أن يكون في القطاع الخاص وليس في القطاع العام المتعطش إلى المواهب.
في وقت سابق من هذا الشهر، في خطاب ألقاه أمام الكونجرس الأميركي، أكَدَّ مودي قائلا: "الدستور هو كتاب حكومتي المقدس الحقيقي". ولكن كوادر حزب بهاراتيا جاناتا كانت حريصة على تأجيج التوترات الطائفة، وكان آخر أحداثها في أوتار براديش، الولاية المهمة التي من المقرر أن تعقد الانتخابات العام المقبل. لا شك أن تشجيع الاستقطاب العِرقي والديني لتحقيق مكاسب انتخابية ليس ممارسة ينفرد بها حزب بهاراتيا جاناتا أو الهند. ولكن تدخلات مودي لتهدئة المياه الهائجة كانت تفتقر إلى ما أظهره من الزعامة والحماس في أماكن أخرى.
وكانت حصافة حكومته في اختيار رؤساء المؤسسات العامة موضع تساؤل على نحو مماثل، وخاصة في حالة المؤسسات الثقافية والتعليمية. وحتى إذا كانت مدفوعة باستراتيجية واعية لتقويض مجالات السلطة الثقافية التي يتمتع بها اليسار، فإنها كانت تثير الجدال بلا داع بتعيين أشخاص يفتقرون إلى الكفاءة.
ونظرا لأهمية رأس المال البشري لمستقبل الهند فإن اختيار أشخاص مشكوك في جدارتهم وقدرتهم على قيادة مؤسسات التعليم العالي سوف تخلف حتما عواقب اقتصادية سلبية. وهنا أيضا، ينبغي لنا أن ننتبه إلى أن كل الأحزاب السياسية في الهند تتبادل اللوم عن تسييس وتقويض أسس رأس المال البشري في الهند. ولكن الحكومة التي تدافع عن سجلها بالادعاء بأنها ليست أسوأ من سابقتها ليست الحكومة التي يمكنها أن تزعم كونها حاملة لواء التغيير، كما يفعل مودي غالبا.
من المؤكد أن حدود الخطاب العام المقبولة شهدت تغييرا ملموسا على مستوى العالم: وقد أثبت ترامب هذا في الديمقراطية الأقدم في العالم، ويعمل أشخاص من أمثال سوامي على تضخيم هذا التغيير في أكبر ديمقراطية في العالم. ولكن هذا الخطاب ليس بلا عواقب، ويتعين على سياسي بقدر موهبة مودي أن يكون على علم بأن أولئك في حزبه الذين ينشرون الخطاب العلني لتقويض سمعة الناس بوسعهم أيضا أن يعملوا على إضعاف المؤسسات التي تشكل أهمية بالغة لتحقيق طموحاته الجديرة بالثناء في تعزيز اقتصاد الهند.
الواقع أن الموظفين العموميين لا يملكون سوى قِلة من الدفاعات عندما يهاجمون على هذا النحو العلني من قِبَل ساسة بارزين. وقد تكون أي حكومة منتخبة على خلاف سياسي حقيقي مع الشخص الذي يتولى رئاسة بنكها المركزي، وفي نطاق صلاحياتها تماما أن تقرر عدم تمديد ولايته عندما تنتهي. ولكن إذا تخلت عن الأدوار والقواعد المؤسسية التي تحكم السلوك المدني، واحتضنت المحرضين المعروفين، فإنها بذلك تطرد أصحاب المواهب والاستقامة الذين تحتاج إليهم المؤسسات الفعّالة. وما عليكم إلا أن تسألوا راغورام راجان.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا.