خروج بريطانيا يؤرق الألمان

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٩/يونيو/٢٠١٦ ٢١:٤١ م
خروج بريطانيا يؤرق الألمان

ترودي روبين

إذا كان هناك أي شخص أكثر استياء لتصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي من مؤيدي معسكر البقاء داخل بريطانيا فهم الألمان وعلى وجه الخصوص أنجيلا ميركل. وعندما ظهرت على شاشة التلفزيون بعد اعلان النتائج كان واضحا أنها تحاول جاهدة الحفاظ على نبرة صوتها المعتادة عندما قالت: نحن في حاجة للإحتفاظ بالهدوء ورباطة الجأش. وكان يبدو أنها تحاول أن تقنع نفسها بما تقول، فالمستشارة الألمانية تدرك أن القرار البريطاني قد وضع أوروبا على الطريق إلى كارثة سياسية - بما في ذلك انهيار محتمل للاتحاد الأوروبي – وأن الأمل في منع الكارثة يتوقف عليها هي في الأساس.
وقد سمعت كلمة صدمة من جميع من تحدثت معهم من الألمان خلال اتصالات هاتفية من لندن وعلى متن الطائرة من مطار هيثرو إلى برلين. وفي مؤتمر عقد في برلين يوم السبت برعاية مؤسسة هاينريش بول حول موضوع آخر مثير للقلق الشديد لدى الألمان وهو كيفية دمج مليون لاجئ جديد قال دوروثي ويرلينج وهو أستاذ متقاعد في التاريخ الاجتماعي الألماني: لقد صدمت تماما مثل كثيرين وتخوفي الأكبر أن دولا مثل هولندا والدنمارك وفرنسا وإيطاليا قد تكون هي التالية في الخروج من الاتحاد.
والواقع أن أحزابا يمينية شعبية في هولندا وفرنسا تطالب الآن باستفتاءات خاصة للخروج من الاتحاد الاوروبي.
وبتهديد مستقبل الوحدة الأوروبية وتعبئة الأحزاب القومية اليمينية في جميع أنحاء القارة فقد جاء تصويت البريطانيين ليقوض الثقة الألمانية أن قيم الديمقراطية الليبرالية كانت ركيزة دائمة في أوروبا السلمية.
وربما كانت ميركل هي الأكثر تصميما على منع نكوص المجتمع الأوروبي على عقبيه بعد ما حققه في الثقافة السياسية تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، بيد أن استفتاء بريطانيا يبدو أنه قد جعل مهمتها صعبة للغاية. فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني فقدان واحدا من اللاعبين الاقتصاديين والعسكريين الثلاثة الأقوى ممن يمكن لميركل أن تيمم اليهم وجهها طلبا للدعم لتحقيق التوازن في علاقات ألمانيا الحساسة مع فرنسا، كما أن خروج بريطانيا سيؤجج حالة الاستياء بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين من الدور القيادي القوي لألمانيا الآخذ في التزايد.
يقول هانز كوندناني الباحث البارز لدى صندوق مارشال الألماني في برلين: مفهوم الهيمنة الألمانية آخذ في التزايد وهو ما قد يقوض سلطة ميركل. وفي الوقت الذي تبرز فيه أهمية الدور الحيوي للمستشارة الألمانية لإنقاذ الاتحاد الأوروبي ، يأتي الانسحاب البريطاني ليضعف قدرتها على العمل.
وعلاوة على ذلك فميركل غارقة بالفعل في مشاكل ضخمة، فهناك أزمة اليورو التي لم تجد حلا والألم الذي أصاب جنوب أوروبا والحاجة إلى إعادة توطين مليون لاجئ جديد وضمان منع تدفق آخرين، وضرورة منع المزيد من التدخل من قبل فلاديمير بوتين (الذي يساعد الأحزاب المتشككة في الوحدة الاوروبية ولا سيما في فرنسا). ويلقي العديد من القادة الأوروبيين اللوم على ميركل لسوء التعامل مع أزمة اليورو وتشجيع تدفق اللاجئين.
ويرى سيلكه تمبل رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية الألمانية أن هذه ازمة اخرى لميركل تضاف الى الأزمات المتراكمة، ومن ثم لا عجب أن تبدو المستشارة الألمانية واجمة.
ويمكن لزائر العاصمة الألمانية الأنيقة الذي كان تقسيمها رمزا للحرب البادرة أن يدرك بسهولة سبب القلق الألماني. فبعد سقوط جدار برلين عام 1989 وتوحد ألمانيا والتئام شطري المدينة أصبحت رمزا مختلفا تماما لأوروبا السلمية المتماسكة وللدينامكية الألمانية الجديدة.
ولكن حتى في عام 1990، كان احتمال توحد ألمانيا يبعث حالة من عدم الارتياح لدى جيرانها خوفا من أنها ستصبح قوية للغاية، وتشكل الاتحاد الأوروبي رسميا في عام 1992 ، في جزء كبير منه للحفاظ على ألمانيا جزءا لا يتجزأ من الهيكل الأوروبي. والآن بعد أن أدار البريطانيون ظهورهم لأوروبا، أصبحت ميركل وألمانيا تتحملان دورا لم يسعيا اليه، بوصفهما الزعيمة الأوروبية الوحيدة والبلد الوحيد القوي الى حد يكفي لقيادة الجهود الرامية إلى إنقاذ الاتحاد من التفتت، إلا انهما يقابلان بحالة من الاستياء جراء تلك القوة وبسبب الكثير من سياسات ميركل.
وكمواطنة من ألمانيا الشرقية، يبدو أن ميركل تتمسك بحماس بمفهوم أوروبا والقيم الديمقراطية التي وقفت وراءها في وقت ينظر فيه كثيرون في الغرب الأوروبي الى الاتحاد باعتباره بيروقراطية معادية وليس ضامنة للحريات.
وتتفهم ميركل خطورة أن تشق دول أوروبية طريقها بمفردها وكذلك تتزايد مخاطر الدعوات القومية وكراهية الأجانب (بما في ذلك في ألمانيا)
وتعتقد ميركل أن ألمانيا ما بعد الحرب، بالنظر إلى ماضيها التاريخي، لديها مسؤولية خاصة لضمان نجاح التكامل الأوروبي، ومن ثم فهي تحاول اقناع قادة أوروبيين آخرين بعدم الضغط على بريطانيا لإضفاء الطابع الرسمي لخروجها بسرعة كبيرة.
وعلى ما يبدو أن ميركل تقف بمفردها في وقت أدى فيه التصويت البريطاني الى تحول السياسة الأوروبية رأسا على عقب ووجود احتمال حقيقي بأن القادة القوميين اليمينيين يمكنهم الوصول إلى السلطة في كل من بريطانيا وفرنسا. وربما لا يوجد من يستطيع أن يفهم تماما عواقب خروج بريطانيا، غير أن ميركل ملزمة بالتعامل مع نتائج هذا الخروج.

كاتبة مقال رأي وعضو أسرة تحرير صحيفة فيلادلفيا انكوايرر