دروس من بريطانيا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٩/يونيو/٢٠١٦ ٢١:٤٠ م
دروس من بريطانيا

إي جيه ديون

النخب في ورطة، مستويات عالية من الهجرة قد تؤدي الى زعزعة استقرار ديمقراطياتنا، السياسيون الذين أعلوا مصالحهم السياسية قصيرة المدى على احتياجات بلدانهم جلبوا على أنفسهم وبلدانهم دوامة من الأزمات، بينما الناخبون الأكبر سنا متعثرون في قرارات رفضها الناخبون الشباب فيما تشهد الأحزاب السياسية التقليدية من اليسار واليمين حالة تمزق حاد. واحدة من الأشياء القليلة الجيدة حول استفتاء بريطانيا لترك الاتحاد الأوروبي هو النهج الحافل بالدروس الذي يقدمه الى القادة والناخبين في الديمقراطيات الأخرى.
ومن غير المرجح أن التاريخ سوف يتعاطف مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، فالاستفتاء الذي جرى مؤخرا لم يكن نتاج مطلب شعبي واسع، إلا أن كاميرون دعا اليه لحل مشكلة سياسية على المدى القصير وليجتاز معضلة الانتخابات. فحزبه "المحافظون" منقسم حول أوروبا ويخشى خسارة أصوات الناخبين لصالح حزب الاستقلال اليميني المعادي لأوروبا وللهجرة.
وظن كاميرون أن إلقاء المشاكل على قارعة الطريق من خلال تقديم وعود باستفتاء في المستقبل على أوروبا سيجعل هذه المشاكل تختفي. بيد أنه بدلا من ذلك أطلق شرارة تحد انتخابي محولا اياه إلى أزمة عميقة يمكن أن تقود إلى تفكك بلاده بينما تهدد مستقبل أوروبا. وربما يلخص ذلك تعليق مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي بقوله: لقد أخذت القارة كلها رهينة بسبب معركة داخلية في حزب المحافظين.
والواقع أنه فيما صوتت إنجلترا للخروج من الاتحاد الأوروبي، جاء اختيار اسكتلندا بأغلبية ساحقة للبقاء. كما تفضل أيرلندا الشمالية أيضا البقاء، في حين جاء تصويت سكان ويلز للخروج بفارق ضئيل. وفجأة أصبح للاسكتلنديين الذين يريدون لبلدهم أن يكون مستقلا قوميتهم المؤيدة لأوروبا. وللبقاء في أوروبا سيكون عليها الخروج من بريطانيا. وبعد صراع صعب لكنه ناجح من أجل السلام، بات الوضع في ايرلندا الشمالية الآن موضع شك أيضا.
ولكن علينا ألا نحمل ذلك الخطأ على الديمقراطية أو الناخبين. فعندما تكون الخيارات معقدة يكون واجب القادة في النظم الديمقراطية التحلي بالشجاعة في إتخاذ القرارات الصعبة ثم يعرضون أنفسهم على صندوق الإنتخابات بعد ذلك، ولا ينبغي استخدام الاستفتاءات للتهرب من المسؤولية.
والواقع أنه بعد أن فتح هذا الطريق الآن، يجب على الديمقراطيين الحقيقيين أن يطالبوا باستفتاء آخر حول شروط صفقة الخروج. ففي التصويت الأخير راهن الناخبون على أن المجهول سيكون أفضل من المعروف، وعليهم التصويت مرة أخرى على الآثار الكاملة للوضع الجديد.
لقد قتلت الفكرة الأوروبية جزئيا المحافظين اليمينيين الذين يعتقدون أنهم بوسعهم تحويل جزيرتهم إلى جنة للتجارة الحرة وقواعد محدودة التنظيم، كما تلقت الوحدة الاوروبية ضربة قوية من المناطق الصناعية المؤيدة تقليديا لحزب العمال والبعيدة عن لندن التي صوتت بأغلبية ساحقة للبقاء. ويبدو أن ايما لويل عضو البرلمان في حزب العمال عن ساوث شيلدز والتي تؤيد البقاء كانت محقة في قولها أن زعيم حزب الاستقلال نايجل فراج قد زج بالجميع في نوبة من الجنون بلغته الكريهة.
الواقع أن الدعوات العرقية والقومية آخذة في التصاعد في جميع أنحاء أوروبا، وجاء التصويت ليكون بمثابة تكريس لهذا الاتجاه. والمؤكد أن المسؤولين الملتزمين عليهم أن يبدو استعدادا دائما للتنديد بالعنصرية، كما أن مهام عملهم تتطلب منهم أيضا تقديم أجوبة سياسة واقعية لتهدئة الغضب الشعبي، وإذا فشل السياسيون في يمين الوسط ويسار الوسط في القيام بذلك، ستظل أحزابهم موضع شك.
وإذا كان تصويت البريطانيون مفهوما إلا أنه أيضا محزنا، فهو تصويت ضد عالم أكثر انفتاحا ورفض لفكرة أن الديمقراطية يمكن أن تكتسب قوة بالسيادة العامة والسعي لتحقيق الأهداف المشتركة. وقد استخدمت حملة مؤيدي الخروج شعارات مألوفة للغاية بالنسبة للأمريكيين، بما في ذلك " استعيدوا دولتنا" و "بريطانيا أولا" وقد لاقى ذلك صدى كبير لدى الفئة العمرية من كبار السن الذين أيدوا الخروج بهامش كبير، في حين أن الشباب البريطاني الذين صوتوا بقوة لصالح البقاء في الاتحاد الاوروبي سيجدون أنفسهم مقيدين لسنوات رهن أغلال فرضت عليهم من الجيل الفائت.
وقد تلقى أصدقاء المجتمعات المفتوحة صفعة على الوجه من قبل مواطنين يسعون للإنتقام من مرحلة ألقت بهم لفترة طويلة في غياهب النسيان. وفي جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، سيكون على السياسيين إما الاستجابة لصرخات الاحتجاج أو مواجهة ما هو أسوأ من خروج بريطانيا.

زميل بارز في دراسات الحكم في معهد بروكنجز وأستاذ السياسة بجامعة جورج تاون