في إحدى جلسات منتدى حوار المنامة العاشر الذي عقد بمملكة البحرين في ديسمبر 2014 والذي نظمته وزارة الخارجية البحرينية بالتعاون مع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية اهتم أحد المشاركين ببيان جانب من الأساسات التي تحققت على مدى العقود الأربعة من عمر مجلس التعاون ورأى أنها تعين على القول إن دول المجلس أثبتت أنها أصلب من أي وقت مضى بفضل وضوح رؤيتها حتى في أحلك الأوقات . من تلك الأساسات أن الأمن والاستقرار أمور لا يمكن التفريط بها ولا يمكن تحقيق الازدهار والتنمية إلا بها ، وأن دول المجلس تمكنت من حماية المنجزات ومكتسبات المواطنين وزادت من معدل نمائها رغم كل ما شهدته المنطقة وتشهده من اضطرابات .
ملخص كلام ذلك المسئول الخليجي هو أن كل طارئ في العلاقات بين دول المجلس وأي اختلاف في وجهات النظر لا يمكن أن يؤثر على ما تحقق أو يمكن أن يقف حجر عثرة في طريق التنمية الخليجية ، والسبب هو أن دول التعاون تمكنت من وضع أساس قوي وإطار قررت ألا تخرج منه فاكتسبت قوة أتاحت لها فرصة التعامل مع كل الظروف الجديدة والصعبة . فلولا هذا الأساس وهذه الروح الجماعية لما تمكنت من حماية نفسها مثلا من مخططات الإرهاب ولصار سهلا على كل من أراد اختراقها ككتلة أو كدول منفردة أن يفعل في كل وقت .
بصيغة أخرى ، يمكن القول إن ذلك المسئول أراد أن يقول إن دول مجلس التعاون صارت وبفضل حكمة قادتها المؤسسين وبعد نظرهم وسعة أفقهم تتمتع بالقدرة على حماية نفسها في كل ساعة تشهد فيها المنطقة أمرا طارئا ، وأن هذا يحدث بغض النظر عن كل شيء وكل اختلاف في وجهات النظر ، فالأساس الذي توفر يتيح لكل دولة من دول المجلس العمل وفق رؤيتها وتقديرها للأمور ، وأن هذه الرؤية الخاصة لا تؤثر سلبا على الأساس الذي تتمتع به ، فكل الرؤى مهما تباينت فإنها تظل تحلق في أفق واحد يشعر أصحابها أنهم في حماية من كل ضرر قد يأتي به أي طارئ .
من هنا فإنه يصعب القول إن هذه الدولة الخليجية أو تلك تغرد خارج السرب ، فالتغريد مهما اختلف صوته ودرجته يظل محصورا داخل السرب وإن بدا عكس هذا . لولا هذا لما استمرت مسيرة مجلس التعاون كل هذه السنين ولسهل على كل من يريد بدوله السوء أن يخترقه وببساطة .
مع هذا التحليل يمكن أن ينبري من يقول إنه لو كان صحيحا لتمكنت دول المجلس من الوصول إلى مرحلة الوحدة المنشودة ولأعلن عن الاتحاد الكونفدرالي الذي تمت صياغته قبل عدة سنوات في مشروع طموح عبر عنه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز (رحمه الله) ، أما الرد على هذا الذي يمكن أن ينبري فبسيط ويتلخص في سؤال عما إذا كان عدم التوصل إلى تحقيق هذه الخطوة يعني فشل مشروع مجلس التعاون أو عدم صحة القول إن دول التعاون تعمل في فضاء واحد يتيح لها الاختلاف ويحرمها من الخلاف ؟
عندما يكون الأساس قويا والإطار واسعا فإن الأكيد هو عدم حدوث التصادمات بين الدول الأعضاء مهما كانت درجة الاختلاف في أي موضوع ومهما كانت شدته ، وهذا هو ما يميز منظومة مجلس التعاون وما أكدته وتؤكده الأحداث ، والمتابع يستطيع أن يؤكد أن كل ما مر على دول المجلس من اختلافات لم يصل إلى مرحلة الخلافات المفضية إلى التفكك ، وهذا يشمل حتى الموقف من إيران ، ويشمله حتى في هذه الأيام التي تتخذ فيها بعض دول المجلس موقفا متشددا من هذه الجارة يصل حد توقع حدوث انفجار في المنطقة بينما تصل علاقة دول أخرى في المجلس بها إلى مراحل متقدمة من التفاهم معها .
في تلك الندوة تم التأكيد على كل هذا ورأى المشاركون فيها أن دول المجلس استفادت من تجاربها السابقة ومن إخفاقاتها للتكيف مع المستجدات المختلفة وأنها تسلحت بالصبر في مواجهتها معتمدة على وعي مواطنيها الذي كان خير معين على تجاوز شتى أشكال المخاطر فازدادت منعة وقوة وصلابة . استدلوا على ذلك بحقيقة مهمة هي أن عجلة التحديث والتنمية لم تتوقف في كل دول التعاون ، وهو نفسه الذي تشهده دول المجلس اليوم حيث رغم اختلاف الزوايا التي يتم النظر من خلالها إلى كثير من الموضوعات والمستجدات ورغم تهديدات الإرهابيين وانتشار الإرهاب إلا أن هذه التنمية لم تتوقف واستمرت كل دول المجلس في عملية التحديث ، بل أنه لم يقف في طريقها حتى الحركات والتيارات الداعية إلى فتح المجال لمزيد من المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ورسم المستقبل .
أساس قوي ، وإطار يوفر فضاء يتيح للجميع التحرك فيه بحرية ، وخبرات تراكمت على مدى أربعة عقود أكدت قدرة المجلس على الثبات وعلى التكيف مع التغيرات والمستجدات حتى المفاجيء منها والصعب ، كل هذا وفر الإصرار المطلوب للمضي بالمسيرة إلى الأمام ، ووفر الدرع الذي يصعب على مريدي السوء مهما كانت قوتهم وشيطنتهم من اختراقه . هذا الحصن الذي تأسس فيه مجلس التعاون وفر الحماية المطلوبة للمنظومة ولكل دولة من دوله ووفر كل ما يعين على توفير الأمن والاستقرار المطلوب والمانع من توقف عملية التحديث والتنمية . وهذا يعني أيضا أن كل المستجدات مهما كانت صعبة وقاسية من شأنها أن تزيد منظومة مجلس التعاون قوة وصلابة .
· كاتب بحريني