محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
ما يجمع بين رمضاننا هذا، ورمضان الطفولة، والذي يحلو لي استعادته عبر ذاكرة تقاوم أكثر من جريان عليها.. الحضور الصيفي، مع فوارق شتى، ليس على صعيد التطور المدني، إنما النفسي أيضا، والمزاج الداخل صوب إيقاعات مختلفة تفرضها ظروف العصر والعمر.. والسهر.
عايشت مرور شهر رمضان الفضيل عشرات المرات، في مناخات الطقس المختلفة، وفي مناخاتي العمرية المتعددّة، وعلى إيقاع أزمنة تتحول بين يدي، الطفل الذي كان يكتشف ما معنى الصوم في (لواهيب الغربي) في قريته التي لم تعرف المدنية بعد، بداية من الكهرباء، وليس انتهاء بالشاشات الضخمة والحواسيب اللوحية يقبض عليها جيل اليوم.
يبدو الزمن غابرا فوق قدرة الجيل الجديد على استيعاب أننا عشناه..
كيف أقنع طفلي اليوم أنني عشت ما يحسبه أنه ضمن مسلسل كارتوني يحكي عن تاريخ قديم عاشته البشرية منذ قرون؟!
يظنني أتخيل حكايات لما قبل النوم، علما أنني أنام قبلهم وقد تبادلنا الأدوار من ينام أولا، لأقول له إنني أصحو فجرا ولا أعرف النوم بعده لأن العينين شبعتا نوما، لا كما يفعل (هو) اليوم حيث يأتي الفجر إلى عينيه ولم يعرف النوم إليه سبيلا!
أن أقول له كانت تسليتي راديو (تمنيت لو احتفظت به) نسمع كل شيء فيه، منذ افتتاح برامجه صباحا، ووصولا إلى قدرتنا الأخيرة على السهر، ونكاد نحفظ ترتيب البرامج ومقدميها، وكذلك التمثيليات الإذاعية، على بساطتها.. ونغالب بمسلسل كوميدي الفارق بين صلاتي المغرب والتراويح كي لا ننام.. لا يهمنا إن كان الجو فائق الحرارة أو معتدلا بما يكفي لأن تمتنع أسرار البعوض من الالتصاق على جلودنا!
سيظن جيل اليوم أننا نتحدث عن أيام غابرة (أو غبراء كما تصح التسمية) عن اشتياقنا لجرعات ماء باردة، مهما بلغ عدد (الجحال) المعلقة على أشجار (المقيظة) لا تكفي لإطفاء حرائق العطش وهي تجفف الريق في حلوقنا، ولا نحتاج حينها لـ «سؤال أهل الذكر» عن حكم بلعه، لأنه أصبح في حكم النواشف التي لا تبلغ الجوف أصلا!
أتخيّلني أحكي له قصتي الخيالية التي أقرب إلى تصديقه، أنني في ذلك العمر كنت أنشغل بـ «الآيباد» في الفرصة المتاحة أمامي بين صعود نخلة وأخرى بحسب تعليمات الوالد لإحضار المزيد من الرطب للفطور، لن أقول له إنه الصحن الوحيد على المائدة، وحتى يصدقني أكثر لن أروي له مشقة انتظارنا تحت غافة الحارة لعل بائع الثلج يأتي نشتري القليل منه، بما يسمح به كرم الوالد ذلك اليوم.
وقبل أن يمضي في تصديقي في (سالفة الشاشة 55 بوصة) ربما سيذكرني أننا لم نكن نعرف مفردة الكهرباء في ذلك العمر القصي، حتى الـ (ماكينة) التي توفرها لبيوت قليلة جدا ستستكين إلى هدوء (رهيب) قبل أن يمضي بعض الليل، تاركة القرية في صمت يمكننا من سماع صياح الذئاب والثعالب في الجبال القريبة، وحينما نصحو نقول إننا سمعنا صوت (مغايبة) يجلدهم السحرة!