مسجد "كتشاوة" بالجزائر..ألق التاريخ

مزاج الاثنين ٢٧/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٠٢ م
مسجد "كتشاوة" بالجزائر..ألق التاريخ

الجزائر- العمانية
منذ اختيرت الجزائر عاصمة للثقافة العربية سنة 2007، وهي تحاول جاهدة أن تُعيد إلى الكثير من معالمها العربية والإسلامية رونقها وتألُّقها، ولهذا رصدت الحكومة مخصصات مالية كبيرة لترميم عدد من تلك المعالم التي تخضع حالياً لعمليات إعادة تهيئة واسعة.
ولعلّ أهمّ تلك البنايات التي رُمّمت، وهي تُعدّ قبلة للزوار الجزائريين والأجانب، قصر ريّاس البحر الذي تحوّل إلى متحف وقاعة عرض رائعة تُطلُّ على البحر الأبيض المتوسط في خيلاء، كما تمّ ترميم أجزاء مهمة من بنايات حيّ القصبة العتيق، وهو حيٌّ يتنفس التاريخ الجزائري الحافل بالبطولات والقصص الخالدة.
وغير بعيد عن هذا الحيّ الذي ألهم الشعراء والروائيين والفنانين التشكيليين أعمالاً إبداعية رائعة، يرتفع مسجد كتشاوة العتيق شامخاً بمئذنتيه المتطابقتين وقبّته التي تتوسّطهما في جمال أخّاذ متربّعاً على مساحة مئات الأمتار المربعة، قريباً عن قصر مصطفى باشا الذي تمّ ترميمه قبل سنوات، وصار متحفاً لفن الخط والمنمنمات والزخرفة، وهو يُعدُّ قبلة لعشّاق هذه الفنون العربية الإسلامية كونه يحتضن تظاهرات ثقافية لها علاقة بالخط والمنمنمات والزخرفة، كما تحتفظ قاعاته بالعشرات من اللّوحات والأعمال التي أنجزها أمهر الفنانين من البلاد العربية والإسلامية.
ويمثل مسجد كتشاوة واحداً من 300 مسجد تمّ تشييدها خلال فترة الحكم العثماني للجزائر، ولعلّه واحد من أشهرها على الإطلاق، نظراً لاتّساعه وموقعه وخصوصيته المعمارية.
بُني هذا الصرح التاريخي في العهد العثماني سنة 1021ه/ 1792م، وهو يتميّز بطابع عمراني عربي إسلامي أضفته عليه تلك النقوش التي تكسو جدرانه الخارجية المقابلة للواجهة البحرية لساحة الشهداء، وهذا ما جعله علامة مميّزة للجزائر العاصمة، خاصة وأنّه يتوسّط حالياً سوقا يؤمُّها الجزائريون من كلّ مكان للتبضُّع، ولعلّ ميزة وجود سوق رافقت محيط هذا الجامع منذ إنشائه، حيث تؤكد أغلب المراجع التاريخية أنّ تسمية "كتشاوة" يعود اشتقاقها من تزاوج كلمتين تركيتين، أولاهما "كيجي" وتعني السوق، و"اوى" التي يقصد بها الماعز، وسُمّيت الساحة المحاذية للمسجد كذلك لأنها كانت عبارة عن سوق لتربية وبيع الماعز، وهي التسمية التي لازمت المسجد العتيق إلى يومنا هذا، مع تغيير طفيف طرأ على منطوق الكلمة الذي صار "كتشاوة".عند المرور بالقرب من جامع كتشاوة تُواجهك الأعمدة والدعامات التي غطّت واجهة المسجد، فمنذ شهر مايو 2014، وهو تاريخ توقيع اتفاقية بين الجانبين الجزائري والتركي من أجل ترميم هذا الصرح الديني والثقافي المهم، لم تتوقف الأشغال لحظة واحدة.
وقبل أن يتسلم الأتراك مشروع الترميم، كانت وزارة الثقافة الجزائرية قد التقت وفداً من خبراء اليونيسكو عام 2010 لدراسة بعض مشاريع ترميم عدد من المعالم التاريخية، وعلى رأسها مسجد كتشاوة، لكنّ الخطة لم تخرج عن نطاق الدراسة، إلى أن أُعيد بعث الملف من جديد بالشراكة مع الجانب التركي.
وعلى غرار العديد من المساجد والجوامع الجزائرية التي عاشت سنوات طويلة من المحنة أيام الاستعمار الفرنسي للجزائر، لم تختلف الحال كثيراً بالنسبة لجامع كتشاوة الذي شهد حقبة سوداء في تاريخه عندما قام الجنرال "دو رو فيغو"، القائد الأعلى للقوات الفرنسية وقائد حملة "دوبونياك"، بتحويله عنوة إلى كنيسة، وأمر بإخراج جميع المصاحف التي كانت بداخله وإحراقها، كما قام بمجزرة في حق الجزائريين الذين اعتصموا داخل المسجد احتجاجاً على تحويله إلى كنيسة حين قتل منهم ما يفوق أربعة آلاف شخص، هذا إضافة إلى انتهاك حرمة المسجد بإحداث تغييرات وتعديلات عليه سنة 1832، أي بعد مرور عامين فقط على احتلال فرنسا للجزائر، ليُصبح الجامع كنيسة حملت اسم "سانت فيليب"، وأدّى فيها المسيحيون أول صلاة مسيحية.
يمرُّ أكثر من قرن من الزمان، ويندحر المستعمرون إلى غير رجعة، وفي تاريخ 4 جمادى الآخرة 1382ه/ 2 نوفمبر 1962م، يعود جامع كتشاوة إلى حضنه الطبيعي، وتُقام فيه أول صلاة جمعة بعد استقلال الجزائر، وقام خطيباً فيها العالم الجزائري الشهير البشير الإبراهيمي، ونُقلت وقائعها على أمواج الإذاعة الوطنية الجزائرية.