ترودي روبين
لقد تفوق دونالد ترامب الغوغائي على نفسه في أعقاب حادث أورلاندو، وبأسلوب خطابة ملهب للمشاعر لم نسمع بمثله منذ عهد مكارثي، راح ترامب يهاجم جميع المسلمين الأمريكيين ويحملهم مسؤولية الهجمات الارهابية المحلية في كاليفورنيا وفلوريدا. وزعم ترامب أنهم " يعرفون الأشرار ولكنهم لا يبلغون عنهم" وهي اتهامات بدون أدلة كعادته بالطبع، فهو يريد حظر الهجرة من جميع البلدان الاسلامية تقريبا، وقال انه لن يقدم أي تأشيرات لمسلمين زائرين. حتى أن ترامب ألمح الى أن الرئيس أوباما يتعامل بليونة مع المتشددين، وطالب أوباما بالاستقالة إذا لم يستخدم عبارة "الإسلام الراديكالي".
وربما لا يوجد شيء يوضح بجلاء الخطر الذي يمكن أن تشكله رئاسة ترامب المحتملة في مكافحة الإرهابيين أكثر من هاجسه مع هاتين الكلمتين، اللتين أصبحتا رمزا لتحول المعركة من مواجهة مع الإسلاميين الراديكاليين إلى حرب ضد الدين كله.
ويجب ملاحظة أنني استخدمت كلمة الإسلاميين وليس الإسلام، وهذا له دلالات أبعد من مجرد المعنى اللفظي. فمصطلح الإسلاميين له تعريف محدد، ونقصد به هؤلاء الذين يرغبون في إعادة تشكيل وحكم المجتمعات وفقا لتفسيرات متطرفة للنصوص الدينية. ويعمد المتطرفون في تنظيم داعش والقاعدة الى انتقاء آيات قرآنية والاستشهاد بها لتبرير أعمالهم المروعة.
والواقع أن الحركات الراديكالية في كل الأديان تجد دائما المبررات في الكتاب المقدس الذي تؤمن به، وهذه الايديولوجية التي تنهجها داعش يمكن ان نطلق عليها الاسلام الراديكالي، وفرق بينها وبين الإسلام. وقد اختار أوباما عدم الخوض في مثل هذه التسميات لسبب محدد للغاية ( ليس لأنه مؤيد لتنظيم داعش في السر). وكما ذكر الرئيس وكان محقا في ذلك أن المجموعات مثل داعش والقاعدة تريد أن تجعل هذه الحرب حربا بين الإسلام وأمريكا أو بين الإسلام والغرب، ويزعمون أنهم القادة الحقيقيين لأكثر من مليار مسلم في جميع أنحاء العالم، ويريدون منا أن نعتقد أنهم يتحدثون باسم الإسلام.
وهناك عدد كبير من الخبراء يتبنون منطق أوباما، إلا أنه في إصراره على عدم ربط تنظيم داعش بالاسلام أعتقد أن هناك مبالغة، فرفض الاقرار بهذه الارتباط يخدم فقط مثل تلك الهراءات من ترامب.
وأفضل للرئيس أن يتحدث بصراحة أكثر، ليؤكد على أن هناك أقلية متطرفة تحاول خطف الدين كله، ويجب ان يفهم الاميركيون انه ولمكافحة هذه الأقلية، يجب على حكومتنا أن تتعاون من قادة الدول المعتدلة ذات الأغلبية المسلمة وأيضا مع قادة الجالية الأمريكية المسلمة.
وهذا هو المعنى أن تشويه ترامب لدين بأكمله ولطائفة دينية أميركية بأكملها يمثل أكثر من مجرد شئ غريب على أمريكا، فهو يشكل تهديدا لنا جميعا. وقد حاول ترامب أن يستخدم مذبحة أورلاندو للتكهن بأن أمريكا قد باتت تنتظر الدمار، وأنها وقعت تحت حصار من قبل جحافل المهاجرين المسلمين، الذين هم إرهابيين محتملين، وانتقد ذلك "التدفق الهائل من اللاجئين السوريين" رغما عن أن عدد السوريين الذين سمح لهم بالدخول خلال الفترة من 2011 الى 2015 هم 1800 شخص فقط، ولم يزيدوا على ذلك كثيرا منذ ذلك الحين. ثم راح يزعم أنه "إذا لم نتعامل بشدة وحزم فلن تكون هناك أمريكا بعد ذلك، ولن يتبقى منها شئ.
ودعا ترامب الى فرض حظر على الهجرة من أي جزء من العالم له "تاريخ مؤكد في الإرهاب" وهذا يشمل ليس فقط الشرق الأوسط، لكن جزءا كبيرا من آسيا وأفريقيا، بل انه قد يشمل حتى بريطانيا وبلجيكا وفرنسا التي خرج منها متشددون.
وعما قريب سيكرر ترامب دعوته الفائتة لفرض حظر على دخول جميع المسلمين الاجانب الى أمريكا مع استثناءات قليلة. ولكن ما هي الرسالة التي تحملها مثل هذه الدعوة للمسؤولين الحكوميين من الدول الحليفة أو الطلاب الأجانب أو السياح من المسلمين؟ الجواب: بالضبط هي نفس الرسالة التي يريد داعش توصيلها وهي أن أمريكا في حالة حرب مع العالم الاسلامي كله.
وربما يكون الأكثر إثارة للقلق هو تشويه ترامب لسمعة جميع المسلمين الأمريكيين والذي يذكرنا باعتقال المواطنين من أصل ياباني خلال الحرب العالمية الثانية. فهو يتهم المسلمين الأمريكيين أنهم يعرفون عن الهجمات الارهابية ويكتمون الأخبار، ولا يقومون بالابلاغ عن الجناة ومن ثم تحدث حوادث القتل والتدمير، ومن ثم يطلق تهديداته أن هؤلاء الأشخاص يجب أن يتحملوا العواقب الوخيمة. فهل اذا انتخب ترامب رئيسا، ستكون مخيمات الاعتقال في المرة القادمة للمسلمين؟
بالطبع يعمل المسلمون الأمريكيون في مجتمعاتهم لمواجهة التطرف، وهو ما تم توثيقه مرارا وتكرارا، وعلاوة على ذلك، خلافا للصورة المقيتة التي يروجها ترامب، فالمسلمون الأمريكيون نادرا ما يعيشون في أماكن منعزلة على أساس عرقي على النمط الأوروبي، ولكنهم مندمجون في المجتمع الأمريكي على كافة المستويات.
والواضح أن الحقائق لا تهم عندما يكون هدف السياسي هو السعي لكسب الأصوات من خلال تقديم عدو يمكن للناخبين الخائفين إلقاء اللوم عليه. وما يقوم به ترامب من هجوم على العقيدة الاسلامية ومحاولة تشويهها لا يخدم سوى مصلحة المتطرفين.
عضو أسرة تحرير وكاتبة مقال رأي بصحيفة فلادلفيا انكوايرر