عدن – إبراهيم مجاهد
لم يكن المواطن عبدالرقيب قائد سعيد يدرك العواقب الوخيمة حين أقدم على بيع منزله شمال العاصمة صنعاء لفتح مشروع جديد ذهبت به الحرب القائمة جراء الانقلاب ونسفت كل أحلامه ليصبح مفلسا كما ولدته أمه. وتسببت الحرب التي دخلت عامها الثاني، بحسب تصنيفات البنك الدولي بوقوع 21 مليون نسمة من أصل 26 تحت خط الفقر، أي 80% من تعداد السكان باليمن. وأدت الاضطرابات والصراع الدائر في عدد من المحافظات اليمنية إلى اتساع رصيف البطالة وانعدام مصادر الدخل، الأمر الذي فاقم من توسع ظاهرة التسول وباتت شوارع المدن تستقبل متسولين جدد.
في مهب الريح..
"عبدالرقيب".. كان مستور الحال واستطاع خلال سنوات من الشغل في شركة خاصة أن يشتري قطعة ارض في منطقة "شملان" غرب العاصمة صنعاء، بنى عليها منزلا استقر فيه مع عائلته..
فكر عبدالرقيب في بيع منزله بمبلغ لفتح شركة تحلية مياه وتوزيعها للمحلات والمنازل بواسطة سيارة أخذها بالتقسيط عبر بنك تجاري بضمانة تجارية..
عقب استكمال بيعه المنزل واستيفاء اجراءات شراء السيارة بالتقسيط في عام 2014 تفاجئ كغيره من اليمنيين بانقلاب جماعة الحوثي على السلطة في البلاد ومصادرتها مؤسسات الدولة بقوة السلاح واحتجاز رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي.. وكغيره من المشاريع الصغيرة الخاصة التي انهارت أو تعثرت.
ظروف غير مواتية
التطورات المتسارعة ولدت في نفسه الخوف من مستقبل مشروع وليد تتوقف عليه حياته وأسرته، إلا انه عقد العزم وواصل المضي بإجراءات استكمال المشروع..
يقول عبدالرقيب أن الظروف لم تكن مواتية لتشغيل المشروع حيث لم يتكمن من استيراد بعض القطع الخاصة بمحطة تحلية المياه وانعدام البنزين وارتفاع سعره بالسوق السوداء اعاق التوزيع وتعطل ثلاجات التبريد في البقالات بسبب انقطاع الكهرباء كلها عوامل تكاتفت لتؤدي إلى فشل المشروع..
عبدالرقيب بعد تبخر آماله بإغلاق المحطة ومصادرة البنك للسيارة بسبب عدم تسديد الإقساط، صار عاجزا عن توفير إيجار المنزل ويستعين بالديون والعمل اليدوي، لتوفير لقمة العيش لأسرته..
خسائر فادحة
هناك شركات ورجال أعمال أوقفوا انشطتهم التجارية بسبب عدم قدرتهم على تحمل الخسائر وعدم قدرتهم على استيراد متطلباتهم في ظل أزمة الحرب والحصار الداخلي والخارجي والتلاعب بالاقتصاد وغيره مما كلفهم خسائر فادحة فاضطروا إلى تجميد أنشطتهم الاقتصادية..
فمع ارتفاع نسبة الفقر والفقراء وانعدام الحركة الاقتصادية ناهيك عن توقيف الشركات لأنشطتها.. تأثر سلبا متوسطي الدخل وأصحاب المشاريع الصغيرة ليدفعوا الفاتورة الأكبر كلفة حيث فقدوا مشاريعهم وأعمالهم التي كانوا معتمدين عليها لينظموا إلى أفواج الفقراء متحملين أعباء كثيرة ناهيك عن تحمل بعضهم لمديونيات كبيرة للشركات والموردين وغيرهم.. ليصبحوا فقراء ومعسرين لا يستطيعون تسديد مديونياتهم ناهيك عن من تعرضت مشاريعهم لأضرار اخرى كالتدمير الجزئي أو الكلي.
التعويضات..
يشدد عبده زيد المقرمي على ضرورة أن يكون هناك حلول كثيرة منها تعويض مباشر وتعويض غير مباشر وكذا إيجاد برامج لمواجهة ذلك من خلال: التعويض المباشر متمثل بجبر الضرر وهذا لا شك انه سيكون للذين تعرضت مشاريعهم للإضرار المباشرة كالتدمير وغيرها مما هو مثبت وموثق.
ثم تأتي مرحلة التعويض الغير مباشر ويتمثل في:- تهيئة الجو المناسب لإعادة نشاطهم عبر معالجة الوضع الاقتصادي العام وإنعاش الحركة الاقتصادية والتنموية، ومن ثم تسهيل توفير متطلباتهم عبر إعفائهم من الجمارك والضرائب لمدة محددة.
ويدعو المقرمي إلى إيجاد بنك حكومي مختص لهذه الفئات لمنحهم القروض بدون فوائد لإعادة مشاريعهم وتفعيل نشطها. فإذا تم الاهتمام بهذه الفئات المتوسطة، وفقا للمقرمي، فالبلد ستستطيع أن تقضي على نسبة كبيرة من البطالة ستشارك في النهضة الاقتصادية المطلوبة والمرتقبة لما بعد الحرب.
فوائد مستقبلية..
لعل معالجة أوضاع الفئات المتوسطة يمكن أن توفر عشرات الآلاف من فرص العمل للعاطلين عن العمل وإذا تم تنظيمها بإمكانها أن تتحول هذه الفرص من العمالة إلى جزء من الوظيفة العامة للدولة.. وذلك في حالة دفع العاملين في هذا القطاع الحيوي التأمين والضريبة للدولة الذي يتيح لهم فرصة استحقاق الوظيفة العامة ونيل حقهم التقاعدي في حالة العجز أو الوفاة أو الوصول إلى سن التقاعد فالوصول إلى هذا الترتيب لمثل هذا الاستحقاق يأتي لما بعد معالجة الأوضاع القائمة التي خلفتها الأزمة وخلفتها الحرب أي في المستقبل. هذا إن وجد الاهتمام من الدولة ووجد الوعي لدى العاملين أنفسهم.
*-*
أغلب المتضررين من الحرب هم محدودي ومتوسطي الدخل
يوضح الخبير الاقتصادي عبده زيد المقرمي في تصريح لـ"الشبيبة" أن المتضررين هم من الميسورين إلى متوسطي الدخل ومحدودي الدخل، فمحدودي الدخل هم العمال والموظفين وانضمامهم إلى فئات الفقراء كان مبكرا بسبب البطالة وفقدانهم أعمالهم، ناهيك عن الموظفين الذين تعرضوا للإقصاء والفصل التعسفي والذي مازال يمارس مع من تبقى منهم لدى الدولة هذا من جانب القطاع العام والمختلط.
وأما العمال أو موظفي القطاع الخاص فعندما تأثرت الشركات ورجال الأعمال تأثر مباشرة فئات متوسطي الدخل وأصحاب المشاريع الصغيرة ومن ثم تم الاستغناء عن اكبر عدد من موظفي الشركات والأعمال الكبيرة والمتوسطة لعدم قدرتهم على تحمل أجور العمال والموظفين العاملين ليتضاعف بالتأكيد عدد الفقراء..
ولعل أصحاب المشاريع الصغيرة التجارية والحرفية هم أهم قطاع الاقتصاد الحيوي الهام وحاضنين شريحة واسعة من العمال وتأثيرهم اثر على جزء كبير من أبناء المجتمع اليمني كون غالبية اليمنيين يعتمدون على الأعمال الحرة سواً عمال في المتاجر أو مع أصحاب الأعمال المهنية والحرفية وغيرها.. لذلك تأثرت الفئات المتوسطة فأثرت على العاملين مع أصحاب هذا القطاع الاقتصادي الحيوي الهام وأصبح أصحاب الفئات المتوسطة جزء لا يتجزأ من الفقراء..
يقول المقرمي: لا شك أنهم أكثر فئة اقتصادية تعرضت للخسائر التي فقد أصحابها مشاريعهم ناهيك عمن تعرضت مشاريعهم للتدمير والتوقيف الإجباري الناتج عن احتدام النزاع أو استخدام موقع مشروعه للتمترس.. وقليل منهم اليوم كالذي في حالت الموت السريري ووجودهم ليواجهوا احتياجاتهم واحتياج من يعولوا ولو بخسارة أموالهم.