مسقط – الشبيبة
تزخر سلطنة عمان بالعديد من المعالم الأثرية التي تروي قصة حضارات ضربت بجذورها في عمق النشأة الأولى للإنسان.
وتشير المكتشفات الأثرية التي تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد إلى العصور والحقب الزمنية المختلفة التي مرت بها عمان على مدى التاريخ، وإبداع الإنسان العماني وإسهاماته وتواصله مع الحضارات الإنسانية.
و"مقابر بات" الأثرية .. قصة يطول شرحها ..فهي تتكون من حوإلى 400 مقبرة أثرية عبارة عن بناء دائري من حجارة صلبة مربعة الشكل وتتألف من جدارين خارجيين وآخر داخلي مقسم إلى عدة غرف على شكل قباب من الحجر البني اللون وسطها يشبه شكل خلية النحل ويبلغ ارتفاعها نحو أربعة أمتار، ويقسم القبر من الداخل إلى حجرات لدفن الموتى تحتوي على بعض الأواني الفخارية والحجرية والخرز المصنوع من الأحجار الكريمة والعظام والأخشاب.
وقد حظيت هذه المقابر التي يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد أي منذ حوالي 5000 سنة ، والموجودة في ولاية عبري بمنطقة الظاهرة بشهرة واسعة حين قامت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو بإعتبارها من المواقع ذات القيمة الإنسانية العالمية.. وقامت بإدراج هذه المقابر ضمن قائمة التراث العالمي الثقافي الطبيعي، وفق تقرير لصحيفة "هدهد" الألكترونية.
ولهذا قامت وزارة التراث والثقافة بتخصيص بعثات أثرية للتنقيب في منطقة بات لعدة مواسم بدأت في عام 1973.. ولا زالت عمليات التنقيب مستمرة لمعرفة المزيد عن هذا الموقع الأثري وعن هذه الحضارة العمانية العريقة التي تحدثت المراجع التاريخية باعتبارها إحدى حضارات الإنسان القديمة التي سادت قديما.
يقول حسن بن محمد اللواتي مدير عام الآثار والمتاحف بوزارة التراث والثقافة لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب.أ) : أن مستوطنة التراث العالمي في بات اكتشفت في سبعينيات القرن الماضي من قبل فريق دنماركي تابع لمتحف آرهوس، ثم توالت عليها المسوحات من قبل فريق بريطاني ومن ثم فريق ألماني.
وخلال عمليات البحث والتنقيب التي قام بها الأثريون تم اكتشاف بقايا من الأواني الفخارية والشقف الحجرية التي تم استخراجها من "مقابر بات" الشهيرة تشبه مثيلاتها التي عثر عليها في مقابر حضارة "أم النار" بدولة الإمارات العربية المتحدة والتي تؤرخ فيما بين عامي 3000 - 2700 ق.م.
وأضاف اللواتي : "لقد أرخت بعثات التنقيب لأقدم المدافن في "بات" إلى فترة حفيت (3000 – 2500 ق.م) ثم مدافن الألف الثالث (فترة أم النار 2700 – 2000 ق.م) وايضا اكتشفت مدافن اثناء الترميم تؤرخ إلى الفترة الانتقالية بين حضارة حفيت وحضارة أم النار، وقد أطلق عليها مدافن فترة بات، بالإضافة إلى تلك الكميات الهائلة من المدافن وجدت الأبراج المستديرية الضخمة يتوسط بعضها بئر ماء، وقد اندرجت اسماءها في سلطنة عمان كالتالي: قصر الرجوم وقصر الخفاجي وقصر مطارية وقصر السليمي وبرج الخطم.
ويقول حسن اللواتي :"وقعت وزارة التراث والثقافة في عام 2006 مذكرة تفاهم مع متحف التعدين بمدينة بوخوم بألمانيا لانتداب خبير لترميم المدافن، ومنذ تلك الفترة تم التنقيب والتراميم لحوالي خمسة مدافن أثرية، وذلك بمشاركة فريق عماني تم تدريبه على الأساليب الفنية في التنقيب والترميم بأاستخدام المعدات والآليات الحديثة".
ويضيف : "في عام 2007 قام فريق التنقيب برئاسة البروفسور جريجوري بوسيل بالتنقيب في المواقع الاستيطانية وبالتحديد في البرج الذي يطلق عليه قصر الخفاجي وبرج المطارية..كما نفذت الوزارة دراسة دقيقة بأستخدام أجهزة مسح مرتطبة بالأقمار الصناعة (الجيوفيزيائي) للكشف عن المباني المطمورة تحت الأرض.
وفي عام 2008 تم الاستعانة بخبير آخر متخصص في تقطيع الحجارة لاستخدامها في الترميم، وبالإضافة إلى الترميم فإن عمليات التنقيب مازالت مستمرة في الموقع والوزارة حريصة على كشف المزيد من الشواهد الأثرية المطمورة، ولتحقيق ذلك تم توقيع عدد من الاتفاقيات مع جامعة بنسلفانيا الأمريكية للقيام بتنقيبات في الموقع.
ورغم تخصيص وزارة التراث والثقافية لمرشد سياحي للموقع إلا أن أهالي ولاية عبري يقومون بدورهم بإرشاد السائحين الذين يفدون إلى المنطقة التي تبعد نحو 350 كيلومترا عن العاصمة مسقط للاطلاع على هذا الأثر العالمي.
يقول حمد بن راشد الجابري من أبناء ولاية عبري لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "لا يجوز أن نعتبر أنفسنا خارج خارطة هذه المدافن لأن من لا ماضي له لا حاضر له ، ولا تتصوروا مقدار سعادتنا عندما يحل بيننا وفد سياحي أو طالبو علم من جهات مختلفة من السلطنة لتقصي المعلومة التاريخية طبعا لا ندعي أننا أوثق من الوزارة المعنية ولكن نحاول أن نساعد بما نملك من معلومات خصوصا أننا أبناء المنطقة وأحد دعائم التنمية في بلادنا".
وعن العوامل التي ساعدت على رسوخ القبور إلى يومنا هذا يقول خميس البريدي من أهالي المنطقة : "ساعد على الحفاظ على القبور هو الحجارة الضخمة التي بنيت عليها والتي يصعب على عشرين رجلا رفعها ، ورغم عوامل التعرية والانجراف التي أتلفت أسقفها قاومت المقابر وظلت باقية لآلاف السنين كواحدة من دعائم السياحة الأثرية في سلطنة عمان وهي إحدى حضارات الإنسان القديمة التي سادت في فترة من الفترات".
ويقول محمد بن راشد المقبالي : أن "مقابر بات تحظى بـ "قيمة معنوية" كبيرة تترجم مرحلة من حضارة عمان الضاربة في القدم ، كما أن اختيارها من بين أهم المراجع التراثية العالمية وتدوينها ضمن قائمة التراث العالمي يزيدنا فخرا بانتمائنا إلى المنطقة خصوصا عندما نستقبل بين الفترة والأخرى أفواجا من أحباء التراث الإنساني والوافدين من السياح الأجانب حيث يأتونها من أوروبا وشرق آسيا.. ومن مختلف أنحاء العالم ، ومنذ فترة زارنا شباب من جامعات أمريكية معروفة لدراسة التراث العالمي".
وقد طرحت وزارة التراث والثقافة مناقصة مؤخرا لإعادة تسوير الموقع بعد اضافة مساحات لمواقع مجاورة ضمن احرامات الموقع، وتسعى جاهدة بالتعاون مع الجهات الأخرى المختصة بالولاية للعمل على نقل الطريق الترابي الذي يتوسط الموقع إلى الجنوب من البرج والذي يطلق عليه قصر (الرجوم)، كما تعمل على انشاء مركز معلومات للزوار يحتوي على متحف مصغر يتم فيه عرض القطع المكتشفة في الموقع.
وفي بداية تسعينيات القرن الماضي تم تسوير هذه الشواهد الأثرية بهدف الضبط والحد من الممارسات الخاطئة ضد المواقع الأثرية، كما تم تعيين حارس للموقع، وحرصت الوزارة على أن يكون من أهالي بات لضمان تواجده الدائم بالموقع وقد كان للحارس دور كبير وبارز في الحد من العبث بالموقع.
وأخيرا.. فإن تأهيل موقع أثري عريق وغني بالعناصر الأثرية كموقع "بات" يتطلب وضع خطط دقيقة لضمان الحفاظ على أدق تفاصيله، ولهذا فإن مسؤولي وزارة التراث والثقافة العمانية يؤكدون دوما حرص الوزارة على احياء مستوطنة "بات" وفق خطط منهجية تحفظ أصالة وسلامة المستوطنة وتعمل على توظيفها ثقافيا وسياحيا.