ماكس بوت
يترقب العالم الاستفتاء الذي يجري في بريطانيا اليوم الخميس بشأن البقاء في الاتحاد الأوروبي، ومن بين المراقبين الأكثر اهتماما وقلقا جمهوريات البلطيق، حيث قضيت مؤخرا اجتماعات لمدة أسبوع مع القادة السياسيين والعسكريين كجزء من وفد من مؤسسة جيمس تاون. وتدرك استونيا ولاتفيا وليتوانيا ما يمكن أن يحدث عندما تصبح أوروبا غير موحدة. ففي نهاية عام 1940 كان اعلان نهاية حرية هذه البلدان وبدء مرحلة جديدة بعد اجتياح أراضيها من قبل القوات السوفيتية، ثم تلتها القوات النازية في العام التالي، في حين كانت بريطانيا وفرنسا مشغولتان للغاية في حرب وجودية بالنسبة لهما بينما كانت الولايات المتحدة لا تزال منغلقة على نفسها. ولم يكن الغرب قادرا على فعل شئ في عام 1944 عندما أعاد الجيش الأحمر احتلال دول البلطيق وفرض دكتاتورية وحشية استمرت حتى عام 1991.
ودول البلطيق تعيش الآن حالة ازدهار وحرية، ولكن الى أي مدى يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه؟ ففي الوقت الذي يبلغ فيه اجمالي عدد السكان هناك 6.2 مليون نسمة، وحجم القوات العسكرية 56 الف فقط، هناك الى جوارها مباشرة توجد روسيا بـ 142 مليون نسمة وأكثر من 3 مليون جندي في القوات العاملة والاحتياطي. وقد اجتاحت روسيا جورجيا وأوكرانيا بالفعل، فما الذي يمكن أن يمنعها من الإقدام على اجتياح دول البلطيق ايضا؟
الرادع الحالي يتمثل في حلف شمال الأطلسي، فجميع دول البلطيق أعضاء في الحلف، وقد تعهد أعضاء الناتو بما فيهم الولايات المتحدة بالدفاع عن دول البلطيق حال تعرضها لأي هجوم. ودول البلطيق هي أيضا أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهم على قناعة أن التواجد القوي والحيوي للاتحاد الأوروبي ضروري للحفاظ على ازدهارها وأمنها. ومن جهة أخرى فالاتحاد الاوروبي يفرض عقوبات اقتصادية على روسيا ويوفر الدعم المالي اللازم للأعضاء الأكثر عرضة للمخاطر في أوروبا الشرقية لتحمل الضغوط الاقتصادية الروسية، مثل التهديد بإغلاق تدفق الغاز الطبيعي. وهذا هو السبب في قلق دول البلطيق من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
والواقع أن دول البلطيق تنظر نظرة اعجاب للبريطانيين، وتعتقد أنه من خلال الإلتزام المشترك بالتجارة الحرة فإن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي تخدم مصالحها، لأنها توازن الموقفين الألماني والفرنسي المنطويان على الوضع الداخلي في كل منهما، كما أن موقف بريطانيا من روسيا أكثر حزما من ألمانيا وفرنسا. وتخشى دول البلطيق أيضا أنه في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يتبع ذلك أيضا انفصال اسكتلندا – الأكثر تأييدا للوحدة الأوروبية من بقية المملكة المتحدة – من بريطانيا. فاسكتلندا هي المكان الذي توجد به قوة الردع النووي البريطانية على متن اربع غواصات فانجارد. وبالطبع من الممكن نقل القاعدة البحرية في فاسلاين إلا أن ذلك سيكون مكلفا للغاية في ظل الخفض الذي تم بالفعل في ميزانية الدفاع البريطانية. والاحتمالات تقول ان بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي ستكون أصغر وأضعف مما هي عليه اليوم.
وعلاوة على ذلك، إذا صوت البريطانيون لخروج بريطانيا من المتوقع أن يعقب ذلك فترة من الاضطراب مع انشغال البريطانيون مع الأوروبيين في مناقشة طبيعة العلاقة في المستقبل. وسيكون على بريطانيا والاتحاد الأوروبي تمرير اتفاقية للتجارة، من المؤكد أنها ستثير قدرا من الجدال. ومع استمرار حالة التفاوض سيكون تركيز الأوروبيين على الداخل وليس التهديد الخارجي من الشرق.
وأخيرا فإن دول البلطيق تخشى أيضا أن خروج البريطاني قد يطلق سلسلة من ردود الفعل لخروج دول أخرى، فهناك حالة عدم رضا كبير في العديد من الدول الأعضاء تجاه الاتحاد الأوروبي، فيما يدعم بوتين الأحزاب الأوروبية المتطرفة من اليسار واليمين المناهضة للإتحاد الأوروبي في العديد من دول الاتحاد.
وقد اعترفت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في فرنسا، التي يقودها مارين لوبان بتلقي عشرات الملايين من اليورو في شكل "قروض" من أحد البنوك المرتبطة بالكرملين، كما تدعم روسيا أيضا الأحزاب المتطرفة الأخرى بطرق مختلف، بما في ذلك الحزب اليميني المتطرف جوبيك في المجر، وحزب بوديموس في إسبانيا، وسيريزا اليميني المتطرف في اليونان وحزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا، وهي مؤيدة لروسيا ومعادية للاتحاد الاوروبي. كما أن بوتين امتدح دونالد ترامب، الذي وصف الناتو أنه قد "عفا عليه الزمن"، وتعهد بتحسين العلاقات مع روسيا.
ومن الواضح أن الروس يأملون في تعزيز الانقسام في الغرب من خلال تفكيك التحالفين المعارضين لهم وهما الناتو والاتحاد الاوروبي. وتخشى دول البلطيق وهي محقة في ذلك أن خروج بريطانيا سيصب في مصلحة بوتين، وربما يكون آخر ما يحتاجه الغرب هو أن يرى أوروبا مقسمة، ما يسمح لروسيا بوتين استخدام استراتيجية فرق تسد. وربما لا يفكر الناخبون البريطانيون في أي شخص آخر، بيد أن هناك سبب وجيه أن يهتم حلفائهم ببقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي