ماذا في أخر النفق اليمني

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٢/يونيو/٢٠١٦ ١٩:٥٤ م
ماذا في أخر النفق اليمني

علي ناجي الرعوي

كانت الحرب التي اشتعلت نيرانها منتصف ليل 26 مارس 2015م عبر (عاصفة الحزم) التي قادها التحالف العربي وكذا المواجهات الداخلية بين مؤيدي حكومة عبدربه منصور هادي والمناوئين لها كارثة حقيقية من نمط الكوارث التي ستبقى تأثيراتها مستمرة ومتواصلة لعدة سنوات حيث وهذه الحرب لم تستهدف التيار الحوثي او مناصري الرئيس السابق علي عبدالله صالح بل استهدفت البنية الاساسية المحدودة للبلاد ومؤسسات الدولة التي هي في الاصل ملك المجتمع وبالمثل فقد القت هذه الحرب بظلالها وتأثيرها على الهوية الوطنية ووحدة النسيج الاجتماعي وساعدت على تغذية الكثير من النزاعات على اساس جهوي او طائفي او مذهبي ناهيك عن ما احدثته من فراغات جرى ملؤها بقوى مسلحة من امثال تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وتنظيم الدولة الاسلامية فضلا عن عشرات الجماعات المسلحة التي اضحت تتنازع على النفوذ والسيطرة على الارض ولا نظن ان هذه الحرب التي اوغلت في تقطيع الجسد اليمني حتى وان انتهت بعد ايام ستكون خاتمة الحروب بالنظر الى ما ستخلفه من افرازات على الصعد الاقتصادية والأمنية والاجتماعية .
فالمتأمل بعمق ورؤية سيلحظ ان الحرب التي عاشتها اليمن قد كرست لواقع مشتت ومتداخل في ذات الوقت فهو بمقدار تشتته الظاهر في المستويات السياسية بوجود اكثر من حكومة وعدة وزارات مكررة ومئات المجموعات المسلحة وبضعة جيوش متعددة الولاءات والآلاف من المقاتلين و المسلحين الذين يتوزعون على الجغرافيا السياسية اليمنية وغير ذلك فقد اسهمت تلك الحرب في نشوء الكثير من التحالفات السياسية والاجتماعية التي تتبدل وتتموضع وفق معادلات النفوذ والمصالح وحالة الاستقطاب والانقسام الداخلي ما يمكن قوله ان اليمن بعد هذه الحرب ستدخل في مرحلة استفهامات جديدة لا يمكن التنبؤ بتفاصيلها او مآلاتها المفتوحة على كل الاحتمالات اذ انه وعلى المستوى العملي لا يوجد طرف من اطراف الصراع الداخلي له مشروع عقلاني واضح المعالم يجمع الشتات اليمني بحيث يشعر كل طرف انه ممثل بداخله كما ان الطرف الخارجي ونعني به قيادة (التحالف العربي) لايبدو انه يمتلك خطة متقدمة من شأنها رسم خريطة تنموية واقتصادية ترتقي بهذا البلد من حالة التفكير الصدامي الى منطق التفكير العقلاني المحفز على استدامة مسارات الاستقرار والتعايش بين مكونات هذا البلد.
المجتمع الدولي الان يحاول الاتجاه لصياغة خارطة طريق اممية لإعادة السلام الى اليمن وقد تقبل شرائح واسعة من اليمنيين بهذا الحل لغياب البدائل بعد ان اخفقت الاطراف المتنازعة في حواراتها بالكويت من تقديم البديل المقنع كما اشار الى ذلك المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ في احاطته الاخيرة لمجلس الامن الدولي لكن مايضعف من دور المجتمع الدولي هنا هو الانقسام الحاصل داخل مجلس الامن بشأن الاسس التي ينبغي ان يستقيم عليها الحل في اليمن وهو ما يؤكد تضاؤل الاهمية التي قد تنتج عن الخطة الاممية لإعادة انتاج السلام في اليمن خصوصا اذا ما علمنا ان ورقة الصراع في هذا البلد هي من اضحت تستخدم كوسيلة ابتزاز في نطاق التجاذبات والصراعات الاقليمية.
وتحت ايقاع هذه التموجات التي يتصف بها المشهد اليمني يتزايد الحديث في اوساط مختلفة عن احتمالات التقسيم في اليمن كنتيجة للحرب المستعرة في هذا البلد وتفكك الدولة ..هناك أكثر من طرف يضع في حساباته مثل هذا الخيار.. في الخارطة السياسية والديمغرافية والجغرافية اليمنية أكثر من عنصر يذهب بخيار الجماعات او التيارات الجهوية في هذا الاتجاه كما ان هناك قوى لا تجد مكانا لها للتأثير ألا عن طريق مخاطبة الهويات ماقبل الوطنية وتغذية مخاوفها وطموحاتها.
عملياً هناك اليوم في اليمن مناطق متروكة لإدارتها الذاتية ومناطق تدار من التحالف ومناطق تخضع لسيطرة التيار الحوثي الذي يسيطر على معظم محافظات الشمال بما فيها العاصمة فيما تبدو بعض المناطق موزعة النفوذ في ظل فوضى كيانيه ومن الطبيعي ألا نسال في ظل هذه الفوضى عن دور حركة الانفصال الجنوبية التي تقاوم وترفض بقاء اليمن سيما وهي من تجد ان مشاريع التقسيم في المنطقة تحظى بقبول بعض الاطراف الدولية التي سبق لها وان سوقت لمثل هذه المشاريع في اطار مايعرف بمشروع الشرق الكبير ولذلك فليس هناك من ينتقد السلطة المحلية التي تتولى ادارة مدينة عدن لرفعها العلم الانفصالي بدلا عن علم الجمهورية اليمنية المعترف بها دوليا بل على العكس فهناك من يشجعها على ذلك .
وفي كل الاحوال فان التخبط مايزال هو السمة الابرز لكل المبادرات الاقليمية والدولية تجاه الوضع في اليمن اذ لم نر في خطة المبعوث الاممي التى عرضها على مجلس الامن الثلاثاء الفائت اليات محددة لكيفية تنفيذ هذه الخطة ولا جدول زمني يمكن اعتماده من قبل مجلس الامن كمدخل ضروري لإلزام الاطراف المتصارعة بتلك الخطة التي يفهم من المعنى الضمني لها ان ولد الشيخ بهذه الخطة يحيل مجلس الامن مرة اخرى الى( السيناريو الليبي) الذي يبدو ان مآله غير الموفق في بلده الاصلي يكفي للامتناع عن التفكير باستنساخه في اليمن على اعتبار ان الصراع في ليبيا يختلف كليا عن الصراع في اليمن وليس هناك الكثير من المشتركات بين الصراعين .
ويبقى السؤال هل يمثل التحرك الدولي تجاه اليمن هو نقطة التحول للوصول الى نتيجة فعالة لتحريك عجلة السلام في هذا البلد ؟ ام ان هذا الامر اصبح من مسئوليات دول الخليج على اعتبار ان الدول الكبرى تحرص على ان تظل تبعية اليمن لدول الخليج بحكم الروابط السياسية والاقتصادية والأمنية التي تجمع بين اليمن ودول الخليج ناهيك عن ان مثل هذه الخطوة تشكل دعما ومجالا كبيرا لحضور الخليج في ممكنات الصراع مع ايران واذا ما كان الامر كذلك فان من مصلحة الخليج الاسراع في احتواء اليمن اقتصاديا وتنمويا حتى يشعر اليمنيون انهم جزء من المنظومة الخليجية وليس خارجها .

كاتب يمني