البريطانيون الخاسر الأكبر

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٢/يونيو/٢٠١٦ ١٩:٥٣ م
البريطانيون الخاسر الأكبر

وليام كيجان

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا طائل منه، بل لا يمكن حتى أن نطلق عليه اسم "مشروع" ، لأن مؤيديه أنفسهم غير قادرين على أن يقدموا لنا حد أدنى من القناعة أن لديهم بالفعل أسباب خططا أفضل. أما جوهر حملتهم فهو سلبي تماما، وهو منع دخول المهاجرين، على الرغم من أن بعضا من أبرز دعاة الانفصال، مثلهم مثل كثيرا منا، ينحدرون من المهاجرين ويهرولون باتجاه المجهول الاقتصادي والتجاري. فسلاسل التوريد الخاصة بالكثير من الأعمال تتم الآن عبر أوروبا، وهذه الكمية يمكن ان تتعطل بلا داع مع انكفاء الدولة على نفسها. ولا عجب في حالة عدم الاستقرار في الأسواق، وهؤلاء من بيننا الذين يمتلكون ذاكرة قوية يعلمون أنه عندما تصبح الأسواق غير مستقرة فإنه من الصعب الإبقاء على الأمور داخل دائرة السيطرة.
ومن بين المفارقات في الأحداث الأخيرة أنه، بعد أن أعتقد الجانب المؤيد للبقاء أن الحجة الاقتصادية تقف في صفه، أصبح يساورهم القلق أن الجانب الداعي للانفصال قد تخلى عن الحديث في الجانب الاقتصادي وبدأ اللعب على ورقة العرق.
والواقع فجميعنا نحن وهم على حق في أن نشعر بالقلق حول موضوع العرق والسلالة، بيد أن الأبحاث التي قمت بها تشير إلى أن الفوز في الحجة الاقتصادية لم يكن حاسما مثلما اعتقد البعض، فأنا أقبل الحجة الاقتصادية تماما، وفكرة الخروج من السوق الواحد ومن ثم إعادة التفاوض هي محض هراء، مثله مثل القول بأنه بدون وجود عضو بريطاني في هيئة حل نزاعات منظمة التجارة العالمية يمكن للمطالبين بخروج بريطانيا من أوروبا التفاوض على كل شيء لما هو في مصلحة المملكة المتحدة. المؤكد أن المفاوضات التجارية تستغرق عقود، ومن أهم جوانب نقص المهارات في المملكة المتحدة، ذلك النقص في المفاوضين التجاريين ذوي الخبرة. ولكن يبدو أنه كان هناك رد فعل عنيف ضد قوى المؤسسة الاقتصادية والسياسية الوطنية والدولية. وهذا في رأيي، يحمل تحذيرات بعواقب وخيمة جراء خروج بريطانيا.
أما بالنسبة لتحذير جورج أوزبورن أن الذعر الناجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي قد يتسبب في انهيار أسعار المنازل، فربما يكون انخفاض أسعار السكن هو بالضبط ما يريده الجيل الأصغر سنا، ولكن ليس بالضرورة ما يتمناه كبار السن، ومعظمهم من المؤيدين للإنسحاب البريطاني من أوروبا.
ومشكلة أخرى تتمثل في عدم الرضا مع النخب، فكثير من الناس لا يحبون أن يملى عليهم أفعالهم من قبل الحكومات والبيروقراطيين الدوليين. وكان هذا واضحا تماما عندما وجه مستشار حكومة الظل جون ماكدونيل، انتقاده مؤخرا الى رئيس بلدية لندن صادق خان لظهوره على منصة مع ديفيد كاميرون تطالب بعدم الانفصال.
وأعتقد أن ماكدونيل ناشط سياسي كبير لا ينبغي التقليل من شأنه، ولكن قلقي هو أنه في كل مرة يثير الاعجاب بانتقاداته البارزة لسياسات التقشف من أوزبورن، إلا أنه سرعان ما يغض الطرف عنها عندما يدعو على سبيل المثال الى عصيان مدني، أو كما هو المثال الأخير عندما وجه انتقاده الى خان لظهوره جنبا إلى جنب مع كاميرون.
حقيقة الأمر هي أن نتائج هذا الاستفتاء – الذي كانت الدعوة اليه واحدة من الحماقات السياسية لقيادة كاميرون – ستكون مهمة للغاية لمستقبل أمتنا أن تتجاوز الخلافات السياسية التقليدية.
من المعروف أن جيريمي كوربين وماكدونيل، وهما من الجناح المتشكك الى حد التطرف في حزب العمل تجاه الإتحاد الأوروبي، قد تلكأ في اتباع النموذج الجيد لهؤلاء العظماء السابقين وأعني منهم مايكل فوت ونيل كينوك، اللذان صوتا على الخروج في استفتاء عام 1975 لكنهما ارتقيا بعد ذلك الموقف وأدركا مدى أهمية بقاء أوروبا موحدة ، رغما عن العيوب الموجودة بالفعل في الاتحاد الأوروبي، وتجنب أهوال فترة التفكك بين الحربين منذ عام 1918،
وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك مؤشرات أن القيادة الجديدة لحزب العمال قد بدأت تدرك أهمية جوانب الحماية الاجتماعية في الاتحاد الأوروبي، وهي الحقوق التي يمكن أن تتمزق الى اشلاء على يد اليمينيين المتعصبين مثل الكسندر بوريس وجونسون ومايكل جوف وجوقتهم بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.
ومع ذلك فالانطباع العام حتى الآن هو أن قادة حزب العمل كانوا مترددين إزاء القضية الأوروبية، وهناك الكثير من المشككين بين ناخبي حزب العمال المتضررين جراء الاستياء من العولمة. وربما تدل تلك الخطوة على حنكة وكياسة عالية إذا ما دفع كوربين وماكدونيل بثقليهما في حملة لإقناع المشككين أن الاتحاد الأوروبي هو أفضل من البديل. ومؤخرا قال لي السير روبرت ورسيستر" إذا كنت لا تعرف فلا تعطي صوتك".

كاتب مقال رأي بصحيفة الجارديان