لسنا سويسريين.. ولكن!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢١/يونيو/٢٠١٦ ٢١:٣١ م
لسنا سويسريين.. ولكن!

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

الشعب الذي يرفض راتباً من الدولة من دون عمل شعب استثنائي، مؤكد أنه ليس عربي، وبالطبع نحن من هؤلاء العرب الذين لا يرفضون الهدية، ولا المنحة، ولا الهبة، ولا الإجازات من العمل، بل نطلب الأمرين معا: المزيد من الأرقام في رواتبنا، وإجازات أكثر.
في سويسرا قالوا (لا) لأنهم شعب سويسرا، وحكومة سويسرا.. صوتوا قبل أيام على قرار برفض منحهم دخلا من دون عمل، وتشير الأخبار إلى نقطة مهمة إذ "لم يلق المقترح دعما من أي من السياسيين السويسريين، ولم يخرج ولو حزبا سياسيا واحدا ببيان لتأييده". يقول معارضوه إنه "سوف يفصل بين العمل الذي ينجزه المواطن وما يحصل عليه من مال، وهو ما من شأنه أن يلحق أضرارا بالمجتمع".
عمليا، لن نطالب بفعل كهذا يعد جنونيا ومستهجنا، ليس لأننا لا نرغب، ولا نحلم حتى، إنما له أسبابه، أهمها أن ثقافتنا مختلفة، وكذلك وعينا، وإدراكنا لمفهوم العمل وضرورته لمستقبل يفترض أن ينهض بالبلاد بأيدي أبنائها، بينما نحن تخلينا أول ما تخلينا، بسبب الراتب الشهري، عن حقولنا ومزارعنا، وصرنا نطلب حبة الرطب في قرانا من العامل الآسيوي الذي أصبح متحكما في دورة اقتصادية مهمة، بينما جيل اليوم لا يعرف الرطب، وربما لا يستسيغ تناوله، حتى في الفواصل بين قهوة ستاربوكس وكوستا!
لماذا تراجع مفهوم العمل لدينا؟ ولسنا وحدنا في هذا الإطار، بينما تكافح شعوب أخرى لنيل لقمة العيش، والأمر ليس تعميما، لكنه "حب الإجازات" مترسخ بما يلغي فكرة "حب العمل". ودراسة الأسباب مهمة، بخاصة مع مواجهتنا لأزمات مالية، تعززها أزمة باحثين عن عمل، بينما نحو نصف عدد السكان من العمال الأجانب، وبمعنى آخر فإن العدد الأكبر من العمال في السلطنة هم الأجانب، ويحتلون غالبية القطاعات والوظائف والمهن، وما جرى من تعمين في قطاعات معينة تمّ التحايل عليه ليعود الوافد من الباب الخلفي ويكون صاحب المشروع الحقيقي!
القضية ليست أزمة علاقة مع الحكومة فقط، ولا ثقة تتراجع كلما أوجع الاقتصاد حمى غالبا تأتي بها أسعار النفط وهي تتراجع.. لكنها الثقة في أنفسنا أولا، وتنعكس بالتالي على علاقتنا بشريكه في المواطنة، لكنها تبقى أفضل، وبمستويات عدة مع الأجانب، في مستويات الخدمة المقدمة، وصولا إلى الرجل الأشقر حيث يعتمد "علامة جودة"!
ما يحتاج إلى دراسة معمقة: لماذا نفتقد الثقة في قدراتنا، ومن حولنا من أبناء البلاد، تشكّكنا في عملهم في محلات بيع المواد الغذائية والخياطة والحلاقة وورش التصليح (كأبرز الأمثلة) فيما نقتسم الضيم والعتب بيننا والعامل الآسيوي إن أخطأ وكرر الخطأ؟
بانتظار مرّ للرواتب كهذا سنشعر بأنها أقل من مستوى احتياجاتنا، وأننا نعطي العمل، للحكومة أو القطاع الخاص، أكثر مما يستحقه لأنه لا يمنحنا ما يسد الحاجة، وسنعلق على القرار السويسري بمزيد من الاستهجان (من يرفض رزقا؟!).. لكن، فارق هائل بين وعي ووعي، إذ إننا أضعنا (أو لنقل قصّرنا) في أهم محورين في تشكل الوعي: الإعلام والثقافة.