لماذا "تُجرم" الشغالة؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢١/يونيو/٢٠١٦ ٢١:٣٠ م
لماذا "تُجرم" الشغالة؟

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

خادمة تحرق طفلة مخدومتها ذات العامين بزيت القلي..!! أخرى تدس الفضلات البشرية في طعام العائلة..!! ومثلهما من حاولت طعن صبي في الحادية عشرة أثناء نومه وكادت تقضي عليه لولا أن الله سلّم !
جرائم نسمعها بلا انقطاع على مدار العام، جرائم تحدث بين ظهرانينا وفي دولنا الخليجية لا في دول الواقواق.. جرائم تطفو على السطح وما يظل مدفونا عن الأعين أمرّ وأدهى.. ومهما ارتفعت عقيرة المحذرين أو دُقت نواقيس الخطر فذلك لن يعطل عجلة تدفق الأيدي العاملة المنزلية لأنها ببساطة لم تعد أمرا كماليا بل هي من أساسيات الحياة في مجتمع تعيش العائلة فيه في منازل أكبر من حجمها وتجمع الزوجة فيها بين العمل والأمومة والالتزامات الاجتماعية التي لا تنتهي.
في الكويت هناك 620 ألف عاملة منزلية، في سلطنة عمان تخطى العدد حاجز الـ 232 ألفا، أما الأيدي العاملة المنزلية في السعودية فقد تجاوزت مليوني عاملة وعامل، وكلهم نازحون من دول يتآكلها الفقر والجهل وتعصف بها الحروب وهم يرون في بلداننا حلما ولكن الحلم يتحول لكابوس في كثير من الأحيان !
لا نبرئ أحدا.. ونعرف أن بعض الشغالات جاحدات وعدوانيات بالفطرة، ولكن الغالبية العظمى مكافحة تأتي لتعيش تاركةً خلفها أطفالاً صغاراً وزوجاً تدرك أنه لن ينتظرها وأحباباً عدة.. تخيلن لدقائق مرارة فراق أبنائكن لعامين، وتركهن في بيئة غير آمنة لتدركن المعاناة الشاخصة لهن.. أضف لذلك العمل المرهق، وساعات العمل الممتدة، وغياب الترفيه والترويح عن النفس.. فإن أضفنا لكل تلك العوامل المعاملة الجارحة والمهينة فنحن لا شك أمام قنبلة مؤقتة ستتفجر شراً في أي لحظة.
مشكلتنا الأساسية أننا نتعامل مع هؤلاء العاملات على أنهن أدوات لا تشعر ولا تتعاقب عليها فصول الأمزجة كما يحدث معنا نحن. لذا لا نتسامح كثيرا مع أخطائهن.. ولا نغفر لهن التقصير ولا نتركه يمر دون محاسبة.. ونمنح أنفسنا الحق في الصراخ عليهن وتعنيفهن - رغم أننا لا نقبل ذلك من مرؤوسينا في أعمالنا – وذلك لأننا نعتبرهن نوعية أخرى من البشر وإن لم نصرح بذلك !
وهنا نسأل: الموظف الممتعض التعيس في عمله يُمني نفسه بالإجازة الأسبوعية، ويذكرها أن ساعات الدوام تنقضي سريعا، فماذا تفعل العاملة المنزلية إن هي ما وجدت نفسها في جحيم؟! إن طلبت إنهاء عقدها ابتزها رب العمل بالمال وإن هربت فسيكون القانون لها بالمرصاد، لذا تبلع وجعها وتعيش كآلة – كما يُراد لها أن تكون - وقد ينقلب ذلك وبالا عليها وعلى مخدوميها دون سابق إنذار!
قالت لي شقيقتي يوما إن الشغالة هي الصديقة غير المقدرة في حياتنا. وبالفعل هي عمليا أكثر التصاقا وعونا لنا من صديقاتنا كافة. وكلما زرعنا فيهن المعروف كلما جنيناه. ملزومون نحن شرعا بتلبية كل احتياجاتهن – لا ريب - لكننا ملزمون إنسانيا بأن نشعرهن أن منازلنا هي بيوتهن أيضا، وأنهن مقدرات بعيدا عن العائد المادي.
في دول الغرب الكافر تعامل الأيدي العاملة المنزلية كأي موظف عادي ويحصلون على الحد الأدنى للأجور وعلاوات وإجازات سنوية وأسبوعية. أما نحن فما زال بعضنا يتسلط على رقاب عاملته وكأنه قد ملكها طيلة فترة عقدها، ولا يبذل أي جهد لتسهيل حياتها كما تفعل هي مع حياته.