ضرورة تقارب واشنطن وطهران

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢١/يونيو/٢٠١٦ ٢١:١١ م
ضرورة تقارب واشنطن وطهران

زلماي خليل زاد
جيمس دوبينز

تشكل علاقة أميركا مع إيران معضلة جيوسياسية كلاسيكية، ومع تعدد جوانب الإختلاف، يمكن للولايات المتحدة أن تعالج فقط القضايا الرئيسية التي تؤثر على مصالح الولايات المتحدة إذا ما شاركت طهران كلما كان ذلك ممكنا. ومثلما كانت تفعل مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، تحتاج الولايات المتحدة إلى انتهاج سياسات تهدف لمنع الهيمنة الإقليمية وايجاد توازن للقوى في المنطقة، مع التعبير أيضا عن دعم حقوق الإنسان وإشراك إيران دبلوماسيا. وعندما تهدأ الفوضى في الشرق الأوسط، سيكون على الولايات المتحدة أن تتعامل ليس فقط مع الشركاء التقليديين ولكن أيضا مع المنافسين. وقد ساهمت ايران في الاستقطاب الطائفي في الشرق الأوسط والصراعات التي عانتها المنطقة، ورغم الخلافات بين واشنطن وطهران بشأن سوريا، إلا أنهما يدعمان نفس الحكومات والقادة في كل من أفغانستان والعراق.
ولإتاحة الفرص لتفاعل مثمر، ستكون الولايات المتحدة مضطرة الى العمل مع شركائها في المنطقة لإقامة توازن ملائم للقوة، وهذا يعني استمرار الانتشار العسكري ومبيعات الأسلحة لضمان أمن المنطقة، مع التأكيد على حقوقها بموجب الاتفاق النووي الجديد في منع إيران من تحقيق تقدم سري لصنع سلاح نووي. وفي الوقت نفسه ينبغي على الولايات المتحدة البدء في تخطيط إطار سياسي لردع إيران من إعادة تشغيل البرامج النووية حال سقوط القيود المتضمنة في الاتفاق. وأخيرا، يجب على الولايات المتحدة وشركائها التنافس معا ضد إيران في العراق وسوريا.
وهذه الجهود من شأنها أن توفر وضعا أفضل للولايات المتحدة للانخراط مع إيران لتسوية النزاعات الإقليمية وهزيمة داعش. وكان كل من كاتبي هذه السطور قد شاركا في مناقشات مع إيران في عهد إدارة جورج دبليو بوش، وحققنا تفاهمات محدودة في بعض الجوانب، فيما جرى تعاون فعال في قضايا اخرى. وجاء اتفاق بون، الذي أسس الحكومة المؤقتة في أفغانستان بعد طالبان ليمثل أوج هذا التعاون، والذي لم يكن ممكنا تحقيقه بدون الدعم الإيراني. والجدير بالذكر أن هذا النجاح قد جاء في سياق تأكيد نشط للقوة الأمريكية ضد حركة طالبان. وبالمثل يمكن للولايات المتحدة أن تصوغ سياسات سياسية وعسكرية في العراق وسوريا.
وفي عهد إدارة أوباما تركزت الاتصالات مع إيران على القضايا النووية، وإن كانت تجري بشكل غير منتظم، مقتصرة على دائرة صغيرة من الأفراد، مع اتجاه أكبر إلى معالجة القضايا الأكثر إلحاحا فقط. ومع محدودية الاتصالات بين وزير الخارجية جون كيري ونظيره الايراني محمد جواد ظريف، ربما لا يوجد الكثير مما يمكن أن يحققه الطرفان. وعلى أية حال لم يتبق لكيري في منصبه سوى أشهر معدودة وكذا ظريف، وليس هناك ما يضمن أن يسير خلفائهما على نفس النهج، ولا ينبغي أن تبني الولايات المتحدة سياستها على مجرد احتمال قيامهما بذلك. ولهذا السبب يتعين على الرئيس أوباما قبل أن يغادر منصبه، اتخاذ خطوات لتعزيز الاتصالات بين البلدين
وربما تكون الخطوة الأكثر وضوحا هي إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية رغما عن أنه ليس من الواضح ما إذا كان النظام الإيراني على استعداد للذهاب إلى هذا الحد، ناهيك عن أن مثل هذه الخطوة ستكون مثيرة للجدل للغاية في الولايات المتحدة أيضا. وإذا لم يتحقق ذلك يمكن لإدارة أوباما والحكومة الإيرانية تعيين دبلوماسيين أميركيين وايرانيين في أقسام مصالح السفارتين لكل طرف. وتجدر الاشارة الى أن الولايات المتحدة كان لها تواجدا بلوماسيا كبيرا في كوبا قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة العام الفائت.
وخطوة أخرى وإن كانت محدودة تتمثل في السماح للدبلوماسيين الإيرانيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة في نيويورك بالسفر إلى واشنطن في بعض الأحيان، وفي المقابل يمكن لطهران أن تسمح بزيارات من قبل المسؤولين الأمريكيين المقيمين في المكتب الخاص بمتابعة الشئون الايرانية الموجود في دبي.
ومع ضرورة مؤكدة أن تركز المشاركة الإيرانية الأمريكية على المعركة ضد داعش ، إلا أنه من الضروري أيضا التركيز على مسارات لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وعلى الولايات المتحدة أن تسعى إلى مساعدة المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران للتوصل إلى تفاهم بشأن العراق وسوريا والتوصل الى اتفاق للحد من الصراع الطائفي والجيوسياسي، ومثل هذا الاتفاق لن يحدث دون وساطة نشطة من الخارج. وفي الوقت الحالي لا يمكن للولايات المتحدة أن تلعب هذا الدور.
وبالإضافة إلى ذلك، على أوباما ألا يتجاهل تطلعات الشعب الإيراني، والذي يحدو كثيرا منهم الأمل في مزيد من الحرية والاتصال مع العالم، وأن تكون قضايا حقوق الإنسان جزءا من جدول أعمال أي اتفاق. وعلى واشنطن أن تعمل على تسهيل السفر بين البلدين للطلاب والعلماء والمواطنين العاديين، وأفضل طريقة للقيام بذلك هو استئناف رحلات تجارية مباشرة بين البلدين، وستكون هذه الخطوة ذات فائدة خاصة لمئات الآلاف من الإيرانيين الأميركيين والعديد من أقاربهم في إيران.
وأي من هذه الخطوات لا يمكنها بمعزل عن الأخرى أن تحل الخلافات العديدة بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن التواصل بشكل أفضل يوفر معلومات أفضل، والمعلومات الأفضل تتيح الفرصة لسياسة أفضل. والمؤكد أنه من الصعوبة بمكان أن يشهد الشرق الأوسط استقرارا بدون الانخراط في بعض التفاهمات مع ايران.

زلماي خليل زاد: مستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وسفير الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق والأمم المتحدة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش

جيمس دوبينز: باحث بارز في مؤسسة راند، ومبعوث خاص لإدارتي بوش وأوباما في أفغانستان.