تجارة فاخرة قائمة على الفتك، شعارها إتلاف الحياة، هدفها السيطرة على العقل، والقلب، و الإرادة الإنسانية، بنكهة السموم الفتاكة، تصلح لكل متلهف بشوق لإنهاء حياته، مضمونةٌ نتائجها، سرطان رئة، ومرض سل، و موت مفاجئ؛ لحياة مليئة بالخوف و التشتت.
التدخين، كلمة كثر ذكرها في عالم ممزوج ما بين التسلية والتقليد والحرية الممزوجة بالنرجسية الشاذة، كمبرر للشعور بالنقص الداخلي للمتعاطي يختلجه تناقص في الرغبة لتعاطي المزيد منه و تركه؛ فهم يعلمون بالمآسي التي يمكن أن يسببها التدخين لهم؛ لذا تراهم ينصحون الغير بعدم الأقتراب منه و البعد عنه، فقد أخذت عقول المتعاطين تلك المادة المدعوة بـ "النيكوتين" - و هي مادة من شأنها التسبب بإدمان التدخين، يتم امتصاصها في الدم و تؤثر على الدماغ في غضون ١٠ ثوان، كما أنها تسبب زيادة في معدل ضربات القلب وضغط الدم والأدرينالين؛ و هو ما يزيد من الرغبة في تعاطي المزيد، فرغم التحذيرات التي تطلقها الشركات المصنعة له، إلا أن المتعاطي يأخذها على سبيل الإغراء، فهي شائبة تجعل من الأشياء الواقعية، خيالات و أوهام تنسجها مخيلات وعقول المتعاطين، لتوقعهم بذلك في شباك و متاهات الدخان، أضف إلى ذلك ما نسميه بالأضرار الكارثية الشاملة؛ فهذي الآفة لها أضرار عامة مشتركة، كالأضرار الإقتصادية مثلاً و ذلك من خلال، المبالغ النقدية الطائلة التي تنفقها الدولة؛ ثمناً للتبغ، و تكاليف استيراده، حيث يمكن أن تصل تكلفته إلى ( ١٢١٥ ) مليون دولار، أي ما يعادل ( ٤٦٧.٥٣٢ ) ريال عُماني، ناهيك عن الأضرار الصحية، و الخلقية، و النفسية، المتمثلة في التأثير على كافة أعضاء الجسم وأنشطته؛ لذا يعيش المدخن حياة مختلفة عن حياة الفرد العادي، حيث أن الأخر يعيش حياته طبيعياً؛ لا يحكم عقله ما يؤثر على سلوكه، و طريقة عيشه، ككائن بشري يعيش الحياة بكامل تفاصيلها، بحريته المطلقة، و هذا على عكس حياة المدخن تماماً؛ فتلك المواد الخطرة من شأنها أن تتحكم بحواسه، لتجعله يعيش وسط عالم خيالي مليء بالأحزان الوهمية الخادعة؛ ولأن المتعاطي يخضع لسيطرة تلك المواد، فذلك ينعكس كثيراً على تصرفاته؛ حيث أنه يصبح عصبياً لا يستطيع التحكم بأفعاله، فكثيراً ما يصاب المتعاطي بنوبات غضب صاخبة، لا يستطيع فيها تمالك أعصابه، مما يؤدي إلى إذاء من حوله بالضرب العنيف، و قد يصل بهم الحال إلى الإجرام في حق أنفسهم و ذويهم، و لنضف إلى هذا و ذاك نفور المجتمع من الشخص المدخن، و تجنب الاحتكاك به؛ ففي الأعرف هو خارج عن الأخلاق، و في الدين هو واقع في خطيئه، و للأسرة هو عار، و لا تفوتنا الأضرار التي يمكن أن يسببها مستنشق الدخان، على الرئتين، و الصحة العامة للجسم، و لنأخذ مثالاً على ذلك المرأة الحامل، حيث أن استنشاقها لذلك الدخان بما يحتويه من مواد سامه يؤثر على صحتها، وعلى صحة وسلامة جنينها، الذي من شأنه أن يسبب التشوهات الخلقية، و المتلازمات وهو ما يسمى "بالتدخين السلبي"، أي أن تتعرض الحامل للدخان من قبل أشخاص يدخنون حولها، حيث أن استنشاق من ( ١٠ - ١٠٠ ) مل من دخان السيجارة، التي تحوي ( ٤٠٠٠ ) مادة سامة مختلفة، ما من شأنه أن يزيد من نسبة حدوث إجهاض للجنين، وتأخر في نموه داخل الرحم؛ مما يسبب - في مراحل متقدمة أخرى - نقص في النمو والذكاء، وزيادة نسبة الإصابة بمرض الربو، والتهابات الأذن الوسطى، أضف إلى ذلك الأعداد الهائلة من التأثيرات والأمراض التي تُجنح حياة الجنين إلى الخطر.
خلاصة القول، يجب محاربة هذه الآفة من قبل الفرد، والمجتمع على حد سواء، حيث يجب على الفرد، أن يكون ذا إرادة، وأن يبتعد عن الضعف والخوف من مواجهة جميع تلك المواد المخدرة، و الفتاكة، ويجب على المجتمع أن يساند المتعاطي للتخلص من علته؛ ذلك باتخاذ الإجراءات الصحيحة والدقيقة جداً، فيجب عليهم مراعاة الحالة النفسية التي يعيشها المتعاطي، و ليعلموا جميعاً أن هنالك العديد من المدخنين من استطاعوا بالعزيمة، و الإرادة، و الرغبة الحقيقة، التخلص من الدخان و إنقاذ ما تبقى لهم من علاقات و أموال، ومعالجة ما تلف من أعضاء، للحفاظ على ما لم يتأذى منها، فالتدخين "تجارة العالم الرابحة"، التي يجب التخلص والحذر منها.
غدير بنت حمود الحبسية