ماري ديجيفكسي
يمثل خطاب حالة الاتحاد واحد من أبرز ملامح الساحة السياسية في الولايات المتحدة ولا يسبقه في الأهمية والحفاوة سوى حفل تنصيب الرئيس الجديد، والخطاب الثامن والأخير الذي يلقيه رئيس شغل المنصب لولايتين يكون دائما علامة بارزة سواءا كجزء من حفلة الوداع أو كسجل للمنصب السياسي أو للتباهي الشخصي. وقد سجل التاريخ لكلينتون خروجا ناجحا من المنصب وجاء جورج دبليو بوش بدرجة أقل منه ، في حين أن أوباما ، ورغما عن أنه ما يزال هناك عام متبقي ، إلا أن كثيرين ومنهم العديد من دائرته الانتخابية فيعتريهم شعور بخيبة أمل وأن تلك الحماسة والبلاغة التي صاحبت حملته الانتخابية قد أصابها حالة من الصمت الغريب خلال السنوات التي قضاها في السلطة التنفيذية.
وربما كان خطابه الأخير عن حالة الاتحاد اعترافا ضمنيا بذلك، فقد جاء حديثه بلهجة مختلفة عن سابقيه في المنصب ، فراح يعدد إنجازاته كما يراها من الرعاية الصحية الى توفير فرص العمل واتفاقيات التجارة الحرة والدبلوماسية، لكن ماذا عن الأشهر الأخيرة المتبقية له في البيت الأبيض، وماذا عن التركة التي سيسلمها الى الرئيس القادم وربما لجيل أو أكثر؟
تحدث عن المجتمع وعن العالم، وحتى عندما دافع عن نفسه ضد الاتهامات التي توجه له، ليس فقط من من قبل الجمهوريين، أنه سيترك الولايات المتحدة أضعف وأقل تأثيرا في العالم عما كانت عليه قبل ولايته. وأتساءل: هل يمكن لاوباما أن يكون أول رئيس أمريكي لم يستطع أن يقدر إنجازته أو أن يسوق لها جيدا؟ وهل سيحكم عليه التاريخ أنه كان قاسيا مثله مثل كثير من معاصريه في الداخل وربما من حلفائه في الخارج؟
ربما يكون ما فعله أوباما أنه مهد الطريق لإجراء تغييرات واسعة في الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة الى نفسها من جهة، وكيف ينظر إليها العالم في الخارج من جهة أخرى، وقد لا يظهر ذلك بوضوح عما قريب ، بيد أن أوباما قد يوصف في الوقت المناسب أنه الرئيس الذي قاد الولايات المتحدة من العالم القديم إلى العالم الجديد.
فعندما بدأ حملته للوصول إلى البيت الأبيض، كانت أمامه فرصة كبيرة أن يصبح أول رئيس أسود للولايات المتحدة، إلا أن ما قام به في هذه النقطة بعينها خلال الفترة التي قضاها في منصبه يكاد لا يذكر إلى حد أحبط العديد ممن دافعوا عنه في هذا الخصوص. إلا أنه وبفعله هذا فقد تفادى الى حد كبير أن يحمل لقب "رئيس أسود"، ومهد الطريق لسياسة لا تعرف التمييز بين الألوان.
وجاء توسيع غطاء التأمين الصحي ليشمل ملايين كانوا بعيدين عن هذا الحق ليؤسس لإتجاه ربما يكون من المستحيل النكوص عنه. وقد تكون الولايات المتحدة أقل من الناحية الإجتماعية من دول مثل كندا أو الدول الغنية في أوروبا، ويظل التوقع أن الأميركيين أكثر اعتمادا على الذات ، ولكن أوباما غير هذا النمط سواءا على مستوى قضية الهجرة أو شبكة الضمان الاجتماعي.
وفي السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ربما يكون أوباما قد غير قواعد اللعبة بالفعل ، وقد يعود الفضل الى ظروفه في وقت مبكر ، فهو واحد من الرؤساء الأكثر عالمية الذين عرفتهم الولايات المتحدة، ومن ثم لم يكن دائما على هوى حلفاء مثل إسرائيل أو دول "أوروبا القديمة"، التي شعرت بخسارة سواءا في مكانتها في التسلسل الهرمي للولايات المتحدة أو الميول المشتركة ، إلا أنه وضع الولايات المتحدة في مكانها للدفاع عن مصالحها وأمنها في عصر يكتنفه حالة من عدم الوضوح.
وفي خطابه عن حالة الاتحاد طرح أوباما السؤال الذي ظل يلح عليه طوال رئاسته، على الرغم من أنه نادرا ما أفصح عنه: "كيف يمكننا الحفاظ على أمن أمريكا وقيادتها للعالم دون أن تصبح شرطي هذا العالم". وليس فقط أنه انتشل- إلى حد كبير - الولايات المتحدة من الحروب التي لا تحظى بشعبية في أفغانستان والعراق، ولا أنه كان جريئا بما فيه الكفاية لإنهاء العزلة المدمرة على كوبا وتوحيد الجهود التعاونية للتقارب مع إيران ، فهذه التحركات كانت جزءا من عملية إعادة تفكير شاملة في الطريقة التي تتفاعل بها الولايات المتحدة – التي ما تزال الدولة الأقوى اقتصاديا وعسكريا - مع العالم الخارجي.
وحذر أوباما في خطابه أن المبالغة في تقدير الخطر الذي تمثله داعش وأن العالم بصدد حرب عالمية ثالثة يخدم مصالح تنظيم الدولة الذي لا يمثل تهديدا للوجود الأمريكي ، وأصر على أن التهديد الرئيسي يأتي الآن من "الإمبراطوريات الشريرة" أكثر منه من "الدول الفاشلة"، فيما حذر ان الولايات المتحدة لا يمكنها أن تقوم بإعادة بناء كل بلد تتعرض لأزمة، فهذه ليست القيادة، وهذا هو الدرس الذي يجب أن يتعلمه الأمريكيون من فيتنام والعراق.
كاتبة عمود رأي في صحيفة الاندبندنت