جاك روستوسكي
في الآونة الأخيرة، بدأ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يتحدث عن أهمية عضوية الاتحاد الأوروبي بالنسبة لأمن المملكة المتحدة. ولعل هذه هي الحجة الأكثر إقناعاً التي قد يدفع بها كاميرون إلى الناخبين البريطانيين للبقاء في الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء على ما إذا كان ينبغي للملكة المتحدة أن تنسحب. ولكن هل يسوق كاميرون، الذي وَعَد بإجراء التصويت بحلول نهاية عام 2017، حجة الأمن بعد فوات الأوان؟
يزعم كثيرون أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي لن يضعف أمن البلاد، لأن منظمة حلف شمال الأطلسي تضمن الدفاع عن المملكة المتحدة. ولكن الأمن والدفاع ليسا نفس الشيء. فالأمن الحقيقي يستلزم توقع أن الدولة لن تضطر إلى طلب المساعدة من التحالفات الدفاعية التي تنتمي إليها ــ وهذا هو ما توفره عضوية الاتحاد الأوروبي على هيئته اليوم.
بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، لم يعتمد الدفاع الأميركي على عضوية الولايات المتحدة في عصبة الأمم. ولكن القرار الذي اتخذته بعدم الانضمام إلى عصبة الأمم ــ على أساس حجج السيادة الأشبه بتلك المستخدمة الآن للترويج لخروج بريطانيا ــ أدت إلى انهيار عصبة الأمم وإضعاف أمن الولايات المتحدة بشدة.
واليوم، تتمتع المملكة المتحدة بمستوى غير مسبوق من الأمن. فبرغم عدم الاستقرار والعنف في بلدان مثل أوكرانيا وسوريا، لا تواجه المملكة المتحدة أي تهديد استراتيجي ولو من بعيد. وتضمن عضوية الاتحاد الأوروبي عملياً التعاون ضد التهديد التكتيكي الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية.
وخروج بريطانيا من شأنه أن يحرك سلسلة من الأحداث التي قد تقوض بشدة هذا الأمن. وسوف تتعزز قوة المتشككين في أوروبا والأحزاب القومية، ناهيك عن بعض المنتمين إلى أقصى اليسار، في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي. ورغم أن المرء لا يستطيع أن يشكك في مصداقية الديمقراطية وولاء أغلب المتشككين في أوروبا في المملكة المتحدة (وإن كان بوسع المرء أن يشكك في حكمتهم وحسهم الاستراتيجي)، فإن نفس الشيء من غير الممكن أن يُقال عن العديد من نظرائهم في القارة.
ولنتأمل هنا حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان في فرنسا، والذي قد يساعد خروج بريطانيا في دفعه إلى الفوز بالانتخابات الرئاسية عام 2017. الواقع أن لوبان، التي كانت شعبيتها مدفوعة إلى حد كبير بالاستياء إزاء نفوذ ألمانيا المتزايد، تعادي اليورو والاتحاد الأوروبي صراحة وعلنا. ووصول لوبان إلى السلطة يعني تبني البلد العضو الأساسي في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لسياسة خارجية معادية للغرب بشكل عميق. ويشير دفاعها عن العدوان الروسي في أوكرانيا، على سبيل المثال، إلى أنها سوف تمنع أي شكل من أشكال المقاومة لمغامرات الرئيس فلاديمير بوتن، والتي تهدد الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي.
ومع أو بدون لوبان، قد يحفز خروج بريطانيا "الفرار إلى القومية" في مختلف أنحاء أوروبا، مع تفاعل البلدان مع ارتفاع الشوفينية بين جاراتها بانتخاب "المنتج المحلي". وسوف تزداد حدة الصراعات السياسية ويصبح من الصعب حلها على نحو متزايد، مع عودة العداوات الوطنية الضارية التي غابت عن أوروبا منذ عام 1945، والتي تواجه الاتحاد الأوروبي بأزمة وجودية لن يكون التعافي منها سهلا.
الواقع أن مثل هذه القوى تشهد صعوداً ملحوظاً بالفعل. وقد بدأ هذا الاتجاه، على نحو غير متوقع إلى حد ما، في أوروبا الغربية، وبدأ يتحرك شرقا. وحتى الآن كان تأثير النزعة القومية في أقوى صوره داخل البلدان، في أماكن مثل اسكتلندا وكاتالونيا، وليس بين البلدان. بيد أن هذا قد يتغير بسهولة بفِعل خروج بريطانيا، مع تحول البلدان ضد بعضها بعضاً لحماية مصالحها المتصورة. فضلاً عن هذا، وكما أشار العديد من المراقبين (بما في ذلك أول وزير خارجية في حكومة كاميرون، ويليام هيج)، فإن خروج بريطانيا من الممكن أن يعطي دَفعة قوية للقومية الاسكتلندية؛ وسوف يؤدي تفكك المملكة المتحدة إلى إضعاف أمن بريطانيا.
وخارج أوروبا، سوف ينثر خروج بريطانيا بذور الفرقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث روّج الرؤساء الأميركيون من الحزبين الرئيسيين، بدءاً بالرئيس دوايت أيزنهاور (الذي شغل أيضاً منصب أول قائد أعلى لحلف شمال الأطلسي)، للتكامل الأوروبي. وباستهتارها بهذه المصلحة الأميركية الأساسية، يكاد يكون من المؤكد أن تقوض بريطانيا ما تبقى من "العلاقة الخاصة" الثنائية التي رعتها حكومات المملكة المتحدة منذ تولى ونستون تشرشل رئاسة وزراء بريطانيا.
وعلى هذا فإن خروج بريطانيا يهدد بتدمير أبعاد الأمن البريطاني كافة تقريبا. ولا يملك المرء إلا أن يأمل أن تسترعي هذه النقطة القدر الذي تستحقه من الاهتمام في الوقت المناسب للتأثير على نتيجة الاستفتاء.
وزير المالية ونائب رئيس الوزراء البريطاني من عام 2007 إلى عام 2013.