لماذا التراجع عن إعادة المفاتيح

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/يناير/٢٠١٦ ٠٠:٥٥ ص
لماذا التراجع عن 
إعادة المفاتيح

بقلم: غازي السعدي

من أقوى الأوراق الفلسطينية المتبقية الضاغطة والهامة على إسرائيل، والتي لم تُستغل إلى الآن، حل السلطة الفلسطينية، وتحميل إسرائيل أعباء الاحتلال، والبديل بقاء السلطة، دون سلطة حسب تعبير مسؤولين فلسطينيين، فمنذ أشهر يدور نقاش واسع ومكثف على صعيد الحكم الإسرائيلي وهو احتمالات حل أو انهيار السلطة، لكن الفلسطينيون يقولون، بأن لديهم خيارات كثيرة للضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، منها حل السلطة وتسليمها المفاتيح، وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن زوال السلطة مسألة وقت، فرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، سارع –حسب جريدة "التايمز الإسرائيلية 17/12/2015"- لمهاجمة الرئيس "محمود عباس" مستغلاً معارضة الجمهور الفلسطيني لحل الدولتين في استطلاعات الرأي العام التي أجريت من قبل مراكز استطلاعات فلسطينية في الضفة الغربية، فإسرائيل أغلقت هذا الحل بالكامل، قبل أن يرفضه الجمهور الفلسطيني، وكل ما تريده إسرائيل من خلال التمسك بالسلطة الفلسطينية، هو التنسيق الأمني، الذي يقر جنرالاتها بأنه ذو فائدة كبيرة للأمن الإسرائيلي، مع أن المجلس المركزي الفلسطيني أقر منذ أشهر إيقاف هذا التنسيق، لكنه لم يتوقف بل يتعزز فالتهديدات الصادرة عن قيادات السلطة الفلسطينية، لم تعد مؤثرة على الجانب الإسرائيلي، ومن كثرة تكرار هذه التهديدات بحل السلطة، وتسليم المفاتيح، وإلغاء الاعتراف بإسرائيل، وإلغاء اتفاق أوسلو، باتت تعتبرها مناورات لا قيمة لها.
إن "نتنياهو" وعدداً من وزرائه، غير معنيين بانهيار السلطة، رغم ترويجهم عن صحة الرئيس "عباس"، وأن انهيار السلطة ليس في صالح الاحتلال الإسرائيلي، بينما هناك وزراء آخرون يسعون لانهيار السلطة، من خلال الضغط عليها بكافة الوسائل، وعدم تمكينها من تحقيق إنجازات على الأرض، سيخدم مصالح إسرائيل العليا، ويعارضون العمل ضد سيناريو الانهيار، فانهيار السلطة آخر ما تتمناه إسرائيل، خاصة المؤسستين العسكرية والأمنية، فإسرائيل تعتبرها سلطة وظيفية تؤدي دوراً مهماً لصالحها، وتريد بقاءها ضعيفة هشة، تؤدي دوراً أمنياً لا أكثر فالتسريبات الإسرائيلية عن احتمال انهيار السلطة الفلسطينية، عبارة عن رسالة خفية لرأس السلطة، لتهديده من جهة، بعد أن أخذ الاحتلال يتحدث عمن سيحكم ويدير الضفة إذا انهارت، واستغناء إسرائيل عنها، قبل أن يتوفر بديل مقبول لإسرائيل لإدارة شؤون السكان في الضفة الغربية، غير أن هدف "نتنياهو" في محاولته الخبيثة هو جس نبض الرئيس الفلسطيني "أبو مازن"، لاكتشاف مدى جديته بالتهديد بحل السلطة، أو الاستقالة وتسليم المفاتيح، فجريدة "هآرتس 7/10/2015" نقلت عن "عباس" تكرار تهديداته السابقة بقوله، إذا ارتدتم مواصلة الاحتلال فلتأخذوا المفاتيح.
في اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون الأمنية بتاريخ "4/1/2016" طرح "نتنياهو" موضوع انهيار السلطة، وأن على إسرائيل الاستعدادات لمثل هذا الاحتمال، فهذه المرة الثانية –خلال عشرة أيام- الذي يبحث هذا المجلس، إمكانية انهيار السلطة، لكنه قال في الجلسة "إن علينا منع ذلك"، فهم يعزون هذا الاحتمال للجمود الذي أصاب المفاوضات، والأوضاع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، غير أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حذرت من إمكانية الانهيار، الذي سيؤدي إلى تضرر إسرائيل أمنياً ومدنياً-حسب تقرير قدمه جهاز "الشاباك"، قبل نحو شهرين للحكومة-وحسب التقرير، فقد أوصى "الشاباك"، باتخاذ سلسلة تدابير ومبادرات تجاه السلطة لمنع انهيارها، وحسب جريدة "هآرتس"، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجهات أخرى في الحلبة الدولية، قلقون جداً من احتمال انهيار السلطة، ومن الفوضى التي قد تعم في الأراضي الفلسطينية، في اليوم التالي لانهيارها، حتى أن وزارة الخارجية الإسرائيلية، حذرت من نوايا الحكومة الإسرائيلية، بدفع السلطة إلى الانهيار، حسب "هآرتس 5/1/2016".
ومع وجود وزراء يعتقدون أن انهيار السلطة مصلحة إسرائيلية، "هآرتس 29/12/2015"، إلا أن وزير الجيش "موشيه يعالون"، يعتبر انهيار السلطة لا تخص إسرائيل، بل تخص الفلسطينيين، فإذا أرادوا إسقاطها فليفعلوا ذلك، وإذا لم يريدوا فهذا شأنهم، وأن إسرائيل معنية بسلطة فلسطينية مسؤولة وتستطيع السيطرة على الوضع، وتوفير الأمن والأمان ومزدهرة اقتصادياً، أي أن تفصل وفقاً للمصالح الإسرائيلية، أما رئيس الحكومة السابق "أيهود باراك"، فقد حذر من انهيار السلطة، هذا الانهيار الذي، سيزيد من التوتر في العلاقات الإسرائيلية الأميركية، فوضع هذه العلاقات حالياً سيء، ومن الصعب ترميمها خلال ما تبقى من ولاية الرئيس "أوباما"-وحسب "باراك"- فإن أحد أحلام حماس وداعش، هو انهيار السلطة، ليقرب وصولهما إلى أربعة كيلومترات من مبنى الكنيست، وبضعة كيلو مترات من "كفر سابا"، فالحكومة المترددة والمرتبكة، لا تأخذ بعين الاعتبار توصيات أجهزة الأمن والجيش ومكتب تنسيق العلاقات الإسرائيلية مع الفلسطينيين، بتقديم الخدمات للفلسطينيين، أما وزيرة الخارجية السابقة "تسيفي ليفني" فقد طالبت بعقد اجتماع عاجل للجنة الخارجية والأمن، للبحث فيما يثار عن انهيار السلطة، في أعقاب ما نشرته "هآرتس" حول هذا الموضوع في مجلس الوزراء المصغر، لما لهذا الموضوع من آثار دراماتيكية، وتأثير الانهيار على إسرائيل، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وحسب رئيسة حزب ميرتس "زهافا غلؤون"، فإن انهيار السلطة يضر بالمجتمع الإسرائيلي وأمنه، وأن البديل انتشار الفوضى والمجموعات المسلحة، وأن إسرائيل لن تكون بعيدة عن هذه الفوضى.
الرئيس "عباس"، وبدل أن يستغل التأثير الفادح من انهيار السلطة على إسرائيل، وعلى الأقل أن يهدد بالسيف دون الضرب به، فقد أعلن في خطابه الذي ترقبه الكثيرون بتاريخ "6/1/2016":"لا أحد يحلم بانهيار السلطة"، وهذا يطمئن إسرائيل، بأن تهديدات حلها وإعادة المفاتيح كلام بكلام، ففي رده على التسريبات الإسرائيلية، عن مرضه حيناً، وانهيار السلطة أحياناً، نفى "عباس" الشائعات عن وضعه الصحي، التي روجت لها إسرائيل من خلال خطابين له في أسبوع، ورددتها شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الأخيرة، وقوله بأن السلطة إنجاز، وأن لا يحلموا بانهيارها، ودعوته لعقد مؤتمر دولي للسلام، لتطبيق مبادرة السلام العربية، وكل هذا يطمئن إسرائيل، وجاء في خطابه بأن حل السلطة غير مطروح، وأن القرارات المصيرية ستخضع لاستفتاء شعبي، فإن شرائح فلسطينية واسعة تطالب بحل السلطة، بعد تهميشها من قبل إسرائيل، إذ أن حل السلطة، سيؤدي إلى تحريك القضية الفلسطينية، التي تراجع الاهتمام بها في ظل الوضع الجاري في المنطقة، وأن حلها سيخلق تدخلاً أقوى من قبل الولايات المتحدة، والمجموعة الأوروبية، والمجتمع الدولي، وسيؤثر تأثيراً كبيراً على إسرائيل، وباعتراف قوى سياسية وأمنية إسرائيلية واسعة.
نعم .. هناك إنجازات للسلطة الفلسطينية، وأهمها عودة نحو(200) ألف فلسطيني من الشتات إلى الوطن، وقد أصبحت عضواً مراقباً ومعترف بها كدولة في الأمم المتحدة، ونالت عضوية مجلس حقوق الإنسان، وعضوية محكمة جرائم الحرب الدولية، إضافة إلى (20) منظمة دولية أخرى وأن حوالي (140) منظمة دولة اعترفت بدولة فلسطين، كذلك صدور جواز سفر وهوية فلسطينية، وازداد التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، بينما أصبحت إسرائيل في عزلة دولية، وينظر إليها كدولة "أبرتهايد"، إلا أن الوضع السياسي، وتحقيق الدولة على الأرض، تراجع كثيراً، فإسرائيل أغلقت جميع أبواب الحل، وأن النشاط الاستيطاني واسع ومستمر، حتى أصبح عدد المستوطنين، يقارب (700) ألف مستوطن، وأن مصادرة الأراضي مستمرة، والاعتداء على المقدسات وعلى المسجد الأقصى متواصلة، حتى أن السياسة الرسمية الإسرائيلية، تقول علناً، لا للدولة الفلسطينية، ولا لحقوق الشعب الفلسطيني، ومتنكرة لقرارات الشرعية الدولية، بل أنها تعمل على الضم التدريجي للضفة الغربية، وأن برنامج حزب الليكود السياسي وحكومته، بأن حدود دولة إسرائيل من البحر إلى النهر، فإن فشل السلطة بإنهاء الاحتلال، أفقد الأمل للفلسطينيين وسدّ الآفاق في تحقيق تقدم على الأرض، مما أصابهم بالإحباط، فتمسك الرئيس بالسلطة أراح "نتنياهو"، وفي نفس الوقت طرأ تحسن كبير في التنسيق الأمني مع إسرائيل، فقد أضاع الرئيس فرصة الحديث عن الانهيار، الذي تخشاه إسرائيل، دون تدفيعها مقابل أو ثمن، فماذا بالنسبة لدماء الشهداء؟
وأخيراً .. هناك تململ بين الإسرائيليين، وهناك من يطالب بإخراج عملية المفاوضات من الوحل السياسي، فسفير إسرائيل السابق في مصر "إسحاق ليفانون"، دعا في مقال له في جريدة "معاريف 7/1/2016"، إلى إجراء استفتاء عام بين الإسرائيليين، وبتوجيه لهم سؤال واحد، وأن يجيبوا عليه بنعم أم لا: هل توافق على دولة فلسطينية في حدود عام 1967، مع تعديلات حدودية في القدس الشرقية، كعاصمة للفلسطينيين، في المقابل إذا ما استمر الوضع على هذا الحال، ليجري استفتاء عام بين الفلسطينيين، والإجابة بنعم أم لا: هل تؤيدون حل السلطة الفلسطينية أم بقائها؟

كاتب فلسطيني