الشيء الوحيد الذي نفقده حقا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٩/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٣٠ م
الشيء الوحيد الذي نفقده حقا

لميس ضيف
ركاب المقصورة السياحية وركاب درجة الأعمال يحظون بخدمات مختلفة – نعم – ولكنهم يصلون للوجهة ذاتها . من يقود مركبة ألمانية وذلك الذي يقود مركبة كورية يستخدمون الطريق ذاته .. الوقت يبقى هو ذاته دوما؛ سواء أكانت ساعتك " باتيك فيليب" الفاخرة أو ساعة سواتش عادية !
الطموح أمر مشروع، رائع واقعا، ومن واجب المرء أن يطور نفسه ويتحدى إمكانياته ليفعل. لكن الطمع أمر مدمر وغياب الرضا يجرد الحياة من جميع ألوانها. الفرق بين الطموح والطمع أكثر من حرفين بكثير . فالطموح يمكن الوصول إليه وتحقيقه أما الطمع فدوامة لا خروج منها .
الطموح يدفعك للأمام أما الطمع فلا يفعل أكثر من تحويلك لشخص لئيم ويقترن في أحيان كثيرة مع صفات أخرى لا تقل بشاعة؛ كالحسد والغيرة.
يجد كثير من الناس أنفسهم اليوم في موضع المقارنة مع سواهم: في الجامعة او العمل بل وفي وسائل التواصل الاجتماعي ! ويُخفي الكثيرين غصة وهم يتتبعون حياة المشاهير وأشباه المشاهير ورحلاتهم المتصلة وملابسهم التي تبدو رائعة وإن لم تكن كذلك فعلا !
لقد أججت المقارنات الإحساس بالنقص لدى الجماهير. ووسعت رقعة السخط وعدم الرضا عن النفس، وبل وخلقت أجيال مشوهة تقيس المكانة بالملكية. والسعادة بالمقتنيات لا بالمنجزات .
كيف يمكن للمرء أن يكبح جشعة وحسده وينال الرضا ؟
سُئل الحكيم محمد بن إسحاق : بم يبلغ أهل الرضا؟
فقال: "بالمعرفة؛ وإنما الرضا غصنٌ من أغصان المعرفة".
لذا فأن المثقفين الحقيقيين – لا المتثاقفين – لا يشعرون بالحاجة لدخول مراثون أو مسابقات مع الآخرين. ومثلهم – واكثر- أولئك المؤمنين الذين يرون الأشياء بحجمها الحقيقي ولا يرهقون أنفسهم بمقارنات جوفاء.. يقول أبن القيم "الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين، وقرة عيون المشتاقين، ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ الله صدره غنىً وأمناً، ومن فاته حظُّه من الرضا ، امتلأ قلبه بضدِ ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه ".
أننا اليوم نملك من عوامل السعادة والراحة ما لم يملكه أسلافنا . بل وما لم يملكه الأباطرة والقياصرة في زمانهم الذين راكموا المال وعاشوا على أكتاف العبيد ولكنهم لم يكونوا يملكون رفاهية تغيير درجات الحرارة كما نفعل أو طوي المسافات والسفر لبلدان بعيدة في ظرف ساعات وبلا مشقة تذكر مثلنا . ومع ذلك تغشى كثير منا مسحة ضيق غير مبررة، ذلك لأننا منشغلين تماما بما لا نملك عما نملك بين أيدينا .. ولو أستسلمنا لأقدارنا لصحت نفسياتنا وأبداننا ولتوقفنا عن مطاردة سراب ومقاييس حياة وهمية سوقت لها ماكينات تجارية لتحول حياتنا لبضاعة وتحولنا لمستهلكين لكل شيء: حتى الأفكار والقيم .
يقول الإمام الشافعي :
ما شئـتَ كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشـأ لم يكن
خلقتَ العباد على ما علمتَ ففي العلم يجري الفتى والمسـن
على ذا مننتَ وهذا خذلتَ وهذا أعنــتَ وذا لم تُعــن
فمنهم شقي ومنهـم سعيد ومنهـم قبيـح ومنهم حسـن