اللوبي العربي في الخارج .. ضرورة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٩/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٢٦ م
اللوبي العربي في الخارج .. ضرورة

ناصر اليحمدي

لا يخفى على المجتمع الدولي مدى تأثير اللوبي اليهودي على القرارات التي تتخذها أمريكا سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي فقد كان إلى وقت قريب يقود البوصلة التي توجه الولايات المتحدة كيفما يشاء بل وبعض الدول العظمى الأخرى.
لكن في الوقت الحالي تغيرت الموازين حتى الزعامة لم تعد قاصرة على الولايات المتحدة الأمريكية وتنافسها عليها عديد من الدول .. كما أن الوجه القبيح للدولة الصهيونية المدعومة من اللوبي اليهودي تكشف للعالم ولم يعد ينطلي عليه المحاولات اليائسة لإظهارها في شكل الحمل الوديع والتطور التكنولوجي ساهم في كشف الانتهاكات التي تمارسها الدولة العبرية في حق الفلسطينيين والشرعية الدولية .. وبالتالي فإن اللوبي اليهودي لم يعد كالسابق وفقد بعض من تأثيره خاصة أن مطالبه أصبحت تحرج أمريكا وتضعها في مواجهة مع الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والسلام وغيرها من الشعارات التي تنادي بها وتزعم راعيتها لها .. كما ظهرت على السطح لوبيات أخرى تسعى لفرض تأثيرها على المجتمع الدولي مثل اللوبيات اليونانية والأرمنية والإيرانية وغيرها.
لاشك أن الدور الذي يلعبه العرب على الساحة الدولية في الوقت الراهن صار يحتل مساحة كبيرة لم تكن متاحة له من قبل وهناك العديد من الدول العربية تتزدد أسماؤها في الأروقة الدولية كراعية للسلام مثل السلطنة أو كقوة اقتصادية أو غير ذلك من المزايا التي جعلت الصوت العربي مسموعا ويحسب له حساب .. وهذا يجعلنا نتساءل .. لماذا لا يقوم العرب بتشكيل لوبي عربي على غرار اللوبي اليهودي يشكل قوة ضغط وتكون كلمته مؤثرة ويستطيع تحويل الدفة صوب مصلحة الشعوب العربية ؟.
إن التحديات التي تواجهها المنطقة كثيرة وخطيرة والمخططات الخبيثة لتفتيتها أو تدميرها أصبحت تأخذ الشكل العلني .. وبالتالي فإن هذا يتطلب أن يتخذ العرب التدابير اللازمة التي تحافظ على منطقتهم وتعينهم على الصمود أمام هذه التحديات .. ولكن هل يملك العرب الإمكانيات التي تمكنهم من تكوين لوبي خاص بهم يمنحهم القوة المطلوبة ؟.
بالطبع نعم .. فالقوة المطلوبة ليست عسكرية أو قتالية بل القوة الناعمة التي ترتكز على الاقتصاد والإعلام والفنون والتواصل والسياحة إلى جانب السياسة .. ولعل القوة الناعمة التي مارستها بلادنا أثناء محادثات النووي الإيراني خير دليل على أنها أقوى من الحلول العسكرية التي كانت ستودي بالمنطقة إلى الجحيم.
إن العرب يمتلكون الأموال والعقليات المبتكرة التي تستطيع أن الإبداع في مجال القوة الناعمة التي أصبحت العقيدة الدفاعية للعصر الحالي .. فمثلا يمكنهم إنشاء مجمعات للثقافة والفنون في الدول المختلفة لتحسين الصورة السلبية المغلوطة التي تروج لها وسائل الإعلام العبرية .. كذلك وسائل الإعلام العربية عليها عبء كبير في فضح الانتهاكات الصهيونية وتوضيح التزام العرب بمبادئ الشرعية الدولية .. وغير ذلك من الأساليب التي توضيح الصورة الإيجابية الصحيحة للمجتمعات العربية وتصحح المسارات الخاطئة التي تتبعها السياسة الغربية تجاه القضايا العربية.
لاشك أن ملايين العرب الذين يتواجدون في الخارج ويندمجون في تلك المجتمعات يشكلون أيضا قوة ضغط .. فتأثيرهم على الانتخابات مثلا واضح ويبقى أن يرقى هذا التأثير ليصل لصانعي القرار أنفسهم خاصة أن العرب في الخارج يكونون علاقات طيبة مع المسئولين ويتبوأون مناصب قيادية وبالتالي يستطيعون الوصول للمواطن العادي وتثقيفه بما يخص القضايا العربية.
المشكلة التي تواجه تكوين لوبي عربي هي أن العرب في الخارج رغم كثرتهم إلا أنهم ليسوا متعلقين بالمنطقة العربية ولا يهتمون بقضاياها على عكس اللوبي اليهودي الذي يهتم بالقضايا الإسرائيلية ويرى أن أساس وجودهم يكمن في وجود إسرائيل وتفوقها وقوتها.
لقد آن الأوان لكي يضع العرب استراتيجية موحدة تهتم بالقضايا العربية ويشكلوا قوة ضغط على صناعة القرارات في الخارج خاصة أن التحديات كييرة والملفات المفتوحة كثيرة والمستقبل يتم رسمه من الآن لذلك فإنه يجب أن يكون للوبي العربي دور في وضع خطوط إنسانية للمنطقة العربية تحفظ للمواطن كرامته وحريته وتوفر له الرخاء والأمن والاستقرار.

وداعا صديق العمر

من منا لا يؤمن بأن الفراق هو سنة الحياة التي لا مفر منها .. ومن منا لا يؤمن بأن الموت حق وأننا جميعا سنجده منتظرا في نهاية الطريق .. فهو القدر الوحيد الذي لا يتغير مهما مر الزمن .. قد تصيبنا الحياة أحيانا كثيرة بالغفلة التي تبعد الموت عن تفكيرنا ولكن ما نلبث أن نفيق على صدمة تقع على رؤوسنا كالصاعقة عندما نفقد عزيزا لدينا .. لتتشح حياتنا وذاكرتنا بالسواد ويعتصر القلب ألما وكمدا على فراق الحبيب الذي لا نشعر بقيمته وقدره في حياتنا إلا بعد أن نفقده .. وقتها تهون الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة وتمر أيامها ثقيلة كئيبة لا نعرف فيها للفرح طعما ولا يجد السرور مكانا في القلب الحزين.
وما أصعب أن تأتيك صدمة موت عزيز لديك فجأة ودون سابق إنذار .. ساعتها تشعر أنك لم تستعد بعد لتلقي تلك الصدمة فيصيبك الذهول ولا تفارق المرارة حلقك وتلازمك الحسرة والألم ليل نهار وتتمنى لو أن الدنيا قد منحتك فرصة الوداع.
وهذا ما أشعر به ويشعر به كل شخص في بدية بعد أن فقدت أحد رجالها الأوفياء الذي كان يعد رمزا وقدوة للكرم وطيبة القلب ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف .. إنه حمد بن راشد الحجري صديقي وقريبي وأخي الذي لم تلده أمي والذي مر في حياتنا كالطيف الجميل والنسمة الرقيقة والابتسامة البشوشة .. ليأخذ معه إلى مثواه الأخير بهجة الدنيا وإشراقتها ودفء أيامها وكل جميل فيها.
لقد كان حمد رحمه الله محبوبا من الجميع بل عشقه كل من عرفه وتقرب منه بسبب معاملته الطيبة وقلبه الرقيق الرحيب الذي يتسع الدنيا وما فيها وتضحيته من أجل الآخرين وكرمه اللامحدود وسعيه للخير العميم .. كما كان حمد شعلة نشاط لا يكل ولا يمل في السعي وراء لقمة العيش الحلال ورغم ذلك لم يصب بداء العصبية في يوم من الأيام ولم تفارق الابتسامة محياه ولم يتخل عن هدوئه وكياسته وفطنته وحسن تفكيره.. يداه دائما ممدودتان بالسلام والمساعدة لكل من يقابله.. باب بيته لم يغلق قط بل كان مفتوحا لكل عابر سبيل ليدخل ويحصل على واجب الضيافة بغض النظر عن اسمه وجنسيته وشخصيته ومدة إقامته ليتجلى معنى التكافل الاجتماعي بكل صوره ويتجسد في شخص هذا الإنسان الذي كان عملة نادرة في زمانه.
كم هي المواقف الإنسانية التي جمعتني بحمد رحمه الله والتي تتسابق في مخيلتي وتمر بسرعة البرق والتي علمتنا كيف يكون الإنسان إنسانا .. فاللحظات التي عاشها حمد وسطنا كانت كل دقيقة فيها تلقن كل من حوله درسا في الحب والتسامح والإخاء والكرم.
إن كل فرد في بدية سيشعر بالوحدة .. وستصبح أرضها غريبة لأن حمد ليس فيها .. فوجوده يمثل ذكريات الطفولة الحلوة .. فكل مكان يذكرني به .. هنا ضحكنا سويا وهناك لهونا ولعبنا فقد كان رحمه الله مقبلا على الحياة وهو مليء بالحيوية والنشاط .. كما أنه كان خير المعين والأخ والصديق والقريب الذي كنت أرتمي في حضنه عندما يضيق بي الحال وأجد نفسي حائرا في مفترق طرق فألجأ إليه سائلا المشورة والنصيحة وأجده دائما مبتسما بشوشا يهون عليّ حيرتي ويرشدني لطريق الصواب .. فأراؤه رحمه الله كانت دائما صائبة وسديدة.
عندما أمسكت بالقلم تخيلت أنني سأكتب وأكتب في مناقب حمد الحجري وأعبر عما يجيش في قلبي من حسرة وألم على فراقه .. ففؤادي يدمي ودموعي تنساب كالأنهار وكياني ينهار .. ولكن للأسف قلمي وقف عاجزا أمام هول الحزن الذي يشعر به وكم الإنكسار الذي يسيطر على جوارحي كلها .. ورغم صعوبة الفراق إلا أننا بقلوب مؤمنة صابرة لا نملك إلا الدعاء .. اللهم ارحم حمد رحمة واسعة واعف عنه واغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إنك كريم رحيم غفور .. و"إنا لله وإنا إليه راجعون".

* * *
آخر كلام
اليد التي تنهضك عند تعثرك .. أفضل من ألف يد تصافحك عند الوصول.