أليس من أندونيسيا إلى مسقط

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٦/يونيو/٢٠١٦ ٠٣:٤٨ ص
أليس من أندونيسيا إلى مسقط

عزيزة الحبسية
azizaalhabsi87@gmail.com

مثل الكثير من العاملات المهاجرات في قرية (كاراونغ)، وكواحدة من نساء عاملات كثيرات، جاءت (أليس) من أندونيسيا الى مسقط للعمل كعاملة منزل منذ ستة عشر عاما.
أليس امرأة تدفع كمثيلاتها من نساء بلادها ثمن الازمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد حيث تواجه الاسر الفقيرة في اندونيسيا ارتفاع أسعار المواد الغذائية وسط تراجع قوة المستهلك الشرائية وارتفاع معدلات البطالة بسبب عمليات التسريح الجماعي للعمال كنتيجة طبيعية للأزمة الاقتصادية الدورية.
وتعرف (أليس) أن سبب هجرة الكثير من نساء بلادها للعمل في الخليج والسلطنة هو حاجة عوائلهن لموارد ودعم مالي، لكن موضوع تدهور اقتصاد البلاد نتيجة لتنامي الديون الأجنبية التي أدت إلى إفلاس الدولة وشح السيولة والتوترات السياسية المستمرة التي أدت الى أن تدفع هي ومثيلاتها الثمن في الهجرة وترك الاهل بحثا عن حياة أفضل، هو أكبر من استيعابها كامرأة بسيطة التعليم إلا أنها اختارت الهجرة متسلحة بالدين والصبر.
ومنذ قدوم (أليس) من جاكرتا قبل ستة عشر عاما الى مسقط ظلت تعمل في أحد البيوت لدى عائلة عمانية أكرمت مثواها طوال تلك السنين. وكانت أليس نموذجا للمسلمة الحقة مع قناعة راسخة لديها أن العمل في بلاد عربية يحقق نوعا من الاشياء المشتركة بسبب اعتناق ديانة واحدة هي الاسلام حيث يؤدي الدين بجانب الاقتصاد دوراً في تشجيع الهجرة الى الخليج والبلاد العربية.
كانت (أليس) لا تترك فرصة لتشكر نعم الله عليها، كانت إذا انتهت من غسل المواعين قالت الحمد لله، واذا انتهت من كنس البيت قالت الحمد لله، واذا أنهت أشغالها في المطبخ رددت الحمد لله.
استطاعت (أليس) أن تستحوذ على محبة أهل البيت صغاره وكباره. وكامرأة مجدة لم تخنها الكلمة حينما نزلت أول مرة في مطار مسقط قائلة جئت الى هنا (طالبة للرزق). وكانت أليس إذا جاء رمضان استعدت بروحها لاستقبال هذا الضيف العظيم وقسمت وقتها لإحياء أيامه ولياليه فجزء لقراءة القرآن وجزء لقيام الليل وجزء للذكر والاستغفار.
ورغم أن اليوم في رمضان يحوي ساعات طويلة في المطبخ بالنسبة لها كجزء من ساعات العمل إلا أنها تحرص على أداء مهامها دون تأفف ودون تذمر، وبهدوء الصائم وايمانه. وعندما تحين ساعة الافطار فهي لا تألو جهدا في أن تؤثر أصحاب البيت بكل ما هو لذيذ وشهي وتحرص بشدة على دعاء الافطار وهو أمر لا يفوتها أبدا.
رويدا رويدا تحولت مسارات الصلة بين أليس وأهل البيت الذي تعمل فيه من مجرد علاقة بين رب عمل وعاملة منزل إلى علاقة إنسانية ترتبط عراها بين أفراد العائلة الواحدة وتزداد وثوقا عاما بعد عام الى أن أصبح يتطلع إليها الآخرون باعتبارها نموذجاً للعاملة المسلمة الناجحة الى جانب اعتبارها فردا من العائلة.
أليس تعطي نموذجا للعلاقات الرائعة التى تجمعها الانسانية والدين، حيث الدين هو البوابة التي تفتح آفاق المحبة والتآلف والاحترام بين البشر بعيدا عن الحدود الضيقة للاقتصاد والسياسة.