يشكل استدعاء هيئة حماية المستهلك للواجهة بعد إعلان الإجراءات الحكومية لمواجهة انخفاض أسعار النفط، وإعادة تسعير أسعار المشتقات النفطية، حالة محيرة خصوصا وقد حصرتها الحكومة فيما قبل في مراقبة السلع الأساسية التي لا تزيد عن 23 سلعة فقط، المدعومة من الحكومة، فإلى متى سيظل استدعاء هيئة حماية المستهلك الوقتي فمرة نرفعها فوق ومرة ننزلها تحت، حسب الظروف أو الطلب كما يقال، فمرات الحكومة تطلب منها ضبط الأسواق والتجاوزات في الأسعار كما يحدث الآن ومرات تحد من تدخلها ومن مراقبته لأسعار السلع والبضائع.
فإلى متى يستمر هذا التعاطي مع جهة يحتاج لها الشعب والسوق في ظل المنغصات التي تطلعنا بها الصحف كل يوم والتجاوزات على حقوق المستهلك، وهنا يبرز سؤلا مهما: هل نريد هيئة تكون صمام أمان للسوق؟، أم نترك السوق لمبدأ العرض والطلب، نجد أن الإجابة ساطعة مثل الشمس كما يقولون، فالسوق المحلي لم يتهيأ بعد للمنافسة وتهيمن عليه قوى محدودة، وغياب الهيئة في ظل هذا الوضع، وبدون تنظيم سليم للسوق وتكافؤ لفرص المنافسة، يزيد من معاناة المستهلك، حتى في ظل إصدار قوانين حماية المنافسة ومنع الاحتكار التي تحتاج إلى سنوات لكي تحدث مفعولها وتكون الأسواق مهيأة للمنافسة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، الأمر الذي يستوجب علينا أن نحدد بشكل واقعي ما يتطلب أن نتخذه من مواقف مع استمرار الهيئة بدورها وبكل الصلاحيات والآليات التي. تمكنها من أداءها.
خصوصا وأن دور الجهات الأهلية مثل الجمعية العمانية لحماية المستهلك لم يتبلور بعد، ويظل محصور في الدور الإرشادي والتوعوي، دون تحركات فاعلة توازن بين الخدمة وجودتها وسعرها، لإننا مجتمع استهلاكي أكثر منه إنتاجي، ولم تتبلور الثقافة الشعبية كمستهلكين مثل الدول الأخرى، فمثلا نجد دولة مثل الأرجنتين استطاع مواطنوها تقليل أسعار البيض عندما اتفق مواطنوها على رفض الزيادة في أسعاره وقاطعوه، وهناك نماذج كثيرة في كثير من الدول نجحت تلك الحملات الشعبية، إلا أننا ينقصنا تلك الثقافة، لسبب بسيط هو أننا مجتمع استهلاكي، يستهلك أكثر مما ينتج، لذا فنحن نريد دور فاعل للهيئة حتى تتغير الثقافة المجتمعية الاستهلاكية.
نحن ندرك الجدل الذي تحدثه الهيئة في الدوائر الاقتصادية، فهناك عدم ارتياح لهذا الدور من الأوساط الاقتصادية، التي ترى أن هذا الدور وتلك الجهود تحد من حرية التنافس وتتعارض مع قواعد السوق وتضايق التجار.
لكن في المقابل هناك رضا عارم عن أداء وجهود الهيئة من المواطنين والمقيمين في ضبط التجاوزات والأخطاء، فهل نصغي لما يقوله التجار ونستسلم للضغوط التي يمارسونها هم وباقي المستفيدين معهم في السوق، أم نترك للهيئة حرية العمل وفق مرئياتها وأهدافها في مراقبة الأسعار أياً كانت بحيث لا ترتفع أكثر مما هي عليه في العالم، ومقارنتها بالدول الشقيقة والصديقة، بل ونثق بقوة في الهيئة باعتبارها جهة حكومية تعمل بشكل شفاف دون تفرقة بين التاجر والمستهلك بدون أن يثقل كل منهما كاهل الأخر.
إن لوائح قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار رقم 67/2014، وقانون حماية المستهلك رقم 81 / 2002 الصادرين بالمراسيم السلطانية واضحة وجليّة للجميع، إلا أن الحكومة لم تقر اللوائح بعد، لكي تعمل الهيئة، فكيف لها أن تعمل بدون تشريعات واضحة تحدد ماهية عملها وآليات ضبطها للسوق.
إن شل يد الهيئة وتقييد جهودها وصلاحياتها في مراقبة الأسعار لكل السلع يخدم في الأساس التجارة المستترة التي تسيطر على السوق، وعندما نقيد الهيئة فنحن نكافئ التجارة المستترة، ونمنحها الفرصة أن تعمل كما تريد وتتوغل كيفما تشاء في سوق تغيب عنه قواعد المنافسة وتضعف فيه القواعد التي تغير المعادلة لصالح المستهلك.
إن المجتمع بحاجة ماسة لجهود الهيئة العامة لحماية المستهلك بشكل كبير، فلا يجب أن نضحي بها لصالح بعض المصالح الضيقة ونجني على مجتمعنا لإرضاء بعض المتنفذين أو للانصياع للمنظمات الدولية التي لن تنفعنا أمام الضغوط الشعبية والمطالبات بمراقبة الأسواق في ظل الظروف الحالية.
بالطبع نحن لا نشجع التركيز على مضايقة التجار والشركات وغيرها من هذه الممارسات، التي ليس لها وجود في السلطنة أصلا، والجهات المعنية كلها لا غبار عليها في ذلك، فهي تقوم بإنصاف الجميع، حتى الهيئة العامة لحماية المستهلك تتبع خطوات قبل أن تتخذ أي إدراء ضد أي شركة وأحالتها للقضاء، وتعرض حلولاً وبدائل كالمصالحة والتراضي بين الأطراف وغيرها من جهود تهدف إلى توفيق ومراعاة مصالح الجميع.
نأمل أن نحدد ماذا نريد بالضبط...هل نريد هيئة تعمل على حماية المستهلك أم وقتية تتحرك وقت الأزمات فقط ؟ وهل نعطيها صلاحيات مطلقة و أطر وقوانين وتشريعات تعمل بها ؟ أم نشل حركتها ونقيد دورها.
نحن مع إعطائها كل الصلاحيات في ظل غياب قوى التنافس في السوق وضعف قوة المستهلك في المقابل وعدم قدرته على استعادة من المخالفين لحقوقه والله من وراء القصد.