علي ناجي الرعوي
من حق اليمنيين ان يتساءلوا والحسرة تنهش انفسهم : الى أي مدى ستبقى مفاوضات الكويت بين الاطراف اليمنية المتصارعة عالقة في نقطة الصفر ؟ والى متى سيستمر فريقا التفاوض بعيدان عن فهم بعضهما وبعيدان عن استيعاب التشابك الحاصل في الازمة اليمنية بين ما هو داخلي و ماهو خارجي حتى يتوقفان عن هذا الاستهتار المتمادي بمصالح العباد واستقرار البلاد؟
اذ انه ورغم كل مشاعر الاحباط التي تحيط بالغالبية من اليمنيين احسب ان شعبية من يتفاوضون في الكويت منذ ما يقارب من الشهرين ستكون افضل لو ان هؤلاء غيروا من استراتيجياتهم وخطابهم الاعلامي واتجهوا الى مصارحة ابناء شعبهم عن ان اهم فاصل التفاوض قد وصلت الى طريق مسدود بفعل ذلك التشابك بين الداخلي والخارجي وبالتالي فان من الصعب التوافق بين طرفي الحوار على تسوية سياسية للخروج من الازمة الراهنة قبل ان يكون هناك توافق اقليمي حول مستقبل اليمن ومثل هذا التوافق هو من لا يزال يطبخ على نهار هادئة بعيدا عن انظار من يتعاركون على طاولة التفاوض في الكويت دون ان يتقدموا خطوة واحدة الى الامام والسبب ان لكل طرف اجندته وتقديراته وحساباته وعلاقاته مع الخارج وهو ما يجعل من التقدم في هذه المفاوضات امرا في غاية الصعوبة سيما وان النوايا هنا تخفي الاهداف.
حتى لا تتحمل الاطراف التي تجلس على طاولة الحوار وزر الافلاس الذي تتخبط فيه فان عليها الاعتراف بان ما يعتمل في اليمن من صراع ليس منفصلا عن الصراعات الاقليمية والدولية وان الحرب التي يخوضها التحالف العربي على ارضه منذ 26 مارس 2015م ليست معزولة هي الاخرى عن الصراعات ذات الامتدادات بالنفوذ والتنافس بين المحاور في المنطقة والإقرار ايضا بان ما يجري من تفاوض بكل ما تحمله الكلمة من معان وأبعاد لا يمكن ان يكون بمنأى عن تأثير الاطراف الخارجية فمن يرعى المفاوضات ليس فقط الامم المتحدة وإنما يقف الى جانبها 18 دولة بما فيها الدول الدائمة العضوية بمجلس الامن ومع ذلك فلا نخال ان ثمة موانع تحول دون التوصل الى توافق اقليمي ودولي بشان اليمن يفتح ابواب المعالجات لازمته الخانقة وعودة الاستقرار المنشود اليه وبالذات وان هناك من يروج لانفراجات محتملة بين العواصم الاقليمية والدولية بشأن الوضع في اليمن على محور واشنطن والرياض من جهة ومحور موسكو وطهران من جهة ثانية.
قد يكون من المفارقة ان مثل هذا الطرح يعترضه في ذات الوقت ما يناقضه حيث تميل بعض التحليلات الى ان المجتمع الدولي ليس حريصا على التدخل في المستنقع اليمني لعلمه بالاكراهات الداخلية التي تجعل من النزاعات في هذا البلد متعددة الالوان الى درجة يصعب معها تحديد من يحرك الاحداث ويعمل على بعثرة المواقف في هذا البلد الفقير والمتهالك بهدف الابقاء على الاوضاع تراوح بين التصعيد وعدم الاستقرار ويستند من يدافعون عن هذه الرؤية الى ان المجتمع الدولي لم يتدخل حتى الان لحسم الصراع في سوريا على اهمية المكان الاستراتيجي لسوريا ولم يتدخل لإيقاف النزاع في ليبيا على اهمية المكان الاقتصادي لليبيا فكيف له ان يلقي بكل ثقله في اليمن الدولة التي تصنف بالدولة الفاشلة ومع ذلك فان هؤلاء يغفلون او يتغافلون عن ان موقع اليمن شديد الخطورة بالنسبة للأمن الاستراتيجي الخليجي والأمن الاقليمي والدولي عموما كما يتناسون في ذات السياق ان ترك اليمن نهبا للفوضى هو من قد يسمح بان يصبح ساحة مفتوحة امام قطعان الارهاب التي ستدفق عليه من كل حدب وصوب بغية السيطرة على منافذه البحرية وإلحاق الاذى بالتجارة الدولية في هذا الشريان الحيوي الذي يربط بين اسيا وأوروبا وأفريقيا.
وانطلاقا من هذه الحقيقة يدرك المجتمع الدولي والأمم المتحدة ان مشاكل اليمن قد خرجت من المخابئ الى السطوح وبات من الضروري ان تتدخل القوى الاقليمية والدولية لفرض حل يحفظ مصالحها عن طريق اعادة الامن والاستقرار الى هذه الزاوية المهملة التي تهيم في هوامش الفقر والتخلف والصراعات المتلاحقة وذلك بعد ان فشلت جميع السلطات وكافة النخب السياسية ومختلف مراكز القوى القبلية والسياسية والدينية والاجتماعية في اليمن طوال مائة عام من الاستقلال عن الدولة العثمانية وأكثر من خمسين عاما من النظام الجمهوري وما يزيد عن ربع قرن من اليمن الموحد في بناء دولة مدنية تكتسي الحل الادنى من المعاصرة وكذا طابع التصالح مع ذاتها ومع خارجها.
وارتباطا بذلك يكثر الحديث اليوم عن وجود خطة دولية للحل السياسي ستطرح خلال ايام على الاطراف التي تتحاور في الكويت بعد ان عجزت تلك الاطراف عن تحقيق تقدم ملموس حتى ان اتفاق اطلاق الاسرى لم يتحقق رغم انه يأتي في اطار بناء الثقة وليس في صلب الحل وفي هذا الصدد تتداول وسائل الاعلام ومنها الخليجية على ان التوجه الدولي عازم على فرض الحل على الاطراف اليمنية وفق رؤيته التي سيدعمها بقرار جديد من مجلس الامن بصرف النظر عن رغبة اطراف الصراع ومواقفها ومطالبها بعد ان ايقن الجميع ان هذه الاطراف تتفاوض بأحاسيس متوترة وحسابات تسقط التداعيات القائمة على الارض والتي اصبحت تمثل هاجسا بالنسبة للمجتمع الدولي الذي يخشى من ان يتحول جنوب اليمن الى ساحة مستباحة من التنظيمات الارهابية التي اخذت تتمدد في عدة محافظات وتقيم علاقات اتصال مع مثيلاتها المنتشرة في الصومال الامر الذي قد يتكرر معه السيناريو الصومالي بحذافيره في اليمن.
قبل نحو اسبوعين تحدث وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند لقناة سكاي نيوز الاماراتية عن ان الاطراف اليمنية التي تتحاور في الكويت تفتقد لرؤية يقبل بها الجميع وهو ما قد يؤدي الى فشل هذه المفاوضات وفي ذلك مؤشر على ان الخطة الدولية ستكون بديلة لهذا الفشل والاهم من هذا هو ما افصح عنه هاموند بشان تراجع المجتمع الدولي عن دعم الحكومة الشرعية حيث اشار الى ان هذه الحكومة التي يعترف العالم بشرعيتها لم تعد تمثل كل الشعب ولا تتمتع بمصداقية لدى كل اطراف اليمن وهو ما يعني ان المجتمع الدولي يسير في اتجاه فرض خطته دون الالتفات لأجندات الاطراف المتصارعة اليمنية لان الاسلم له هو البحث عن الحلول في اطار ما هو موجود .. وفي ظل هذا المتغير لا يدري احد على أي مستوى سيكون هذا الحل الدولي للازمة اليمنية وهل سيقوم على يمن موحدة ام مقسمة ؟!
كاتب يمني