بيتر ساذرلاند
في الأسبوع الأخير من شهر مايو ، لقي ما لا يقل عن 1050 من المهاجرين وطالبي اللجوء حتفهم في البحر الأبيض المتوسط، فكانوا ضحية تقاعس المجتمع الدولي عن تلبية احتياجات أكثر سكان العالم ضعفا وعُرضة للخطر. حتى الآن في عامنا هذا، حَصَد البحر أرواح أكثر من 2800 مهاجر ــ وهو عدد أعلى بنحو 40% مقارنة بنفس الفترة من عام 2015. والواقع أن كل هذه الوفيات تقريبا كان من الممكن منعها. ومع كل حياة تنطفئ جذوتها، نخسر شيئا من إنسانيتنا.
من الواضح أن الاستجابة الدولية لأزمة اللاجئين لم تفعل شيئا يُذكَر لتخفيفها. ويؤكد ارتفاع أعداد الناس الذين يخاطرون بحياتهم للعبور من شمال أفريقيا، بصرف النظر عن الترتيبات المستهدفة كتلك بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، أن تدفق البشر عبر البحر الأبيض المتوسط سوف يستمر.
وهو ليس بالأمر المستغرب. فالمهاجرون من شمال أفريقيا الذين بلغوا شواطئ إيطاليا أتوا فارين من الحرب في العراق وسوريا، والتجنيد الإلزامي في أريتريا، والصراع الدائم في أفغانستان، والعنف الإجرامي في أجزاء أخرى من أفريقيا. قد لا ينطبق على بعضهم فنيا وصف اللاجئين على النحو الموضح في اتفاقية اللاجئين لعام 1951. ولكن جميعهم تقريبا يفرون من الأوضاع الرهيبة الناجمة عن الصراع بين الدول، والصراعات الداخلية، والكوارث الطبيعية، والانهيار الاقتصادي. وأيا كان وضعهم القانوني، فإنهم يستحقون المعاملة الكريمة والحماية من الأذى ــ وبذل كل جهد ممكن لضمان سلامتهم.
الآن حان وقت قبول الحقائق: فالجدران والأسوار ودوريات السفن الحربية لا يمكنها وقف أسراب الفارين اليائسين. بل إن كل هذا لا يؤدي إلا إلى تفاقم المخاطر التي يواجهها المهاجرون في رحلتهم ولا يستفيد منها سوى المهربين الذين يتصيدونهم؛ ففي العام الفائت وحده، بلغت مكاسب تُجَّار البشر نحو خمسة إلى ستة مليارات من الدولارات من المهاجرين الذين يعبرون البحر إلى أوروبا.
مع نزوح ما يقرب من 60 مليون إنسان في مختلف أنحاء العالم، أصبح عنصر التعاون الدولي، والزعامة السياسية قبل كل شيء، مطلوبا بإلحاح لجعل الهجرة أكثر أمانا. ولوضع حد للوفيات التي لا ضرورة لها، يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل على مضاعفة الجهود المنظمة في إطار برنامج إعادة التوطين لتوفير مسالك آمنة لطالبي اللجوء.
يبلغ الهدف السنوي العالمي لإعادة توطين اللاجئين 100 ألف شخص ــ وهذا أقل كثيرا من المطلوب. وحتى برغم ذلك، فشلت بلدان الاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان المتقدمة في الوفاء حتى بهذا الالتزام المحدود. ولابد من بذل المزيد من الجهد.
الواقع أن الوضع في منطقة البحر الأبيض المتوسط بالغ الصعوبة، ولكنه ليس يائسا. إن عدد سكان الاتحاد الأوروبي يتجاوز 500 مليون نسمة ويتمتع بثروة عظيمة؛ ولن تزول هذه الثروة بسبب رعاية مليون ــ أو حتى خمسة ملايين ــ من طالبي اللجوء. ولا يجوز للاتحاد الأوروبي أن يدير ظهره للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل لأشهر طويلة في مرافق غير مناسبة في اليونان وإيطاليا، في حين يُحرَم أطفالهم من الحق في التعليم.
بدلا من الإذعان لكارهي الأجانب الذين يروجون للخوف، يتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي أن يتحدثوا بصراحة وأن يعملوا على تصحيح التصورات الخاطئة بشأن المهاجرين. ولا ينبغي لهم أن يكتفوا بالإعلان بوضوح أن العالم المتقدم ملزم بحماية اللاجئين في العالم؛ بل يتعين عليهم أيضا أن يشرحوا كيف قد تساعدنا إغاثة اللاجئين إذا تمت على الوجه الصحيح في بناء مجتمعات أكثر صحة واقتصادات أقوى.
في تقرير صادر مؤخرا، أظهر الخبير الاقتصادي فيليب لجرين كيف تتمكن الدول التي تستثمر في الإدماج الناجح السريع للقادمين الجدد في قوة العمل في غضون خمس سنوات من جني الفوائد الاقتصادية التي لا يقل حجمها عن ضِعف النفقات الأولية. ويتطلب تحقيق هذه الغاية الاستعانة باستراتيجية شاملة تمكن المهاجرين من استخدام مهاراتهم للتحول إلى أعضاء منتجين في المجتمع بينما يعيدون بناء حياتهم.
ويبدو أن ألمانيا تفهم هذا، فقد تعهدت مؤخرا بإنفاق أكثر من 100 مليار دولار لدمج اللاجئين على مدى السنوات الخمس المقبلة. كما تبنت مؤخرا قانون الإدماج المصمم لتوفير المهارات اللغوية، ومنع تشكل أحياء الأقليات، وتيسير وصول القادمين الجدد إلى سوق العمل.
ومن الأهمية بمكان أن نتذكر أن العديد من المهاجرين الذين لا ينطبق عليهم رسميا وصف اللاجئين ربما يكونوا في بعض الأحيان عُرضة للخطر في بلدانهم الأصلية. في الأسبوع المقبل، تعتزم مبادرة المهاجرين في البلدان التي تمر بأزمات ــ التي تُعَد مثالا ناجحا للتعددية المصغرة، والتي تتولى قيادتها الولايات المتحدة والفلبين ــ الكشف عن مبادئ توجيهية جديدة لمساعدة الدول في تحسين قدرتها على حماية المهاجرين (بصرف النظر عن أوضاعهم) قبل وأثناء وبعد اندلاع الأزمات.
وعلى نحو مماثل، تعهد زعماء الاقتصادات المتقدمة الكبرى في العالم في إطار قمة مجموعة الدول الصناعية السبع بزيادة المساعدات العالمية لتلبية الاحتياجات الفورية والطويلة الأجل للاجئين وغيرهم من النازحين وأيضا المجتمعات المستضيفة لهم. ولابد من إتاحة الأموال لإعانة الدول المضيفة ودول العبور على تسكين وتعليم وتوظيف المهاجرين الذين يحتاجون إلى المساعدة.
كان البشر يعبرون الحدود دائما، ومع خضوع العالم للعولمة على نحو متزايد، فمن المؤكد أنهم سيستمرون في القيام بهذا. يدعي زعماء الدهماء أن فتح الباب أمام المهاجرين من شأنه أن يحول وجه الدول المضيفة إلى الحد الذي قد يجعلها مختلفة تماما؛ ولكن حقيقة الأمر أن تأثير الهجرة إيجابي تماما. فالمهاجرون يجددون شباب المجتمعات التي تعاني من الشيخوخة ويساعدون في خلق النشاط الاقتصادي المطلوب بشدة.
إن تحويل أوروبا إلى قلعة، وتقويض حرية التنقل عبر أنحاء القارة، وتشديد الرقابة على الحدود، وتجاهل الالتزامات القانونية ــ والأخلاقية ــ في ما يتصل بحماية الضعفاء، استراتيجية فاشلة. وهي تقوض المكاسب التي تحققت للاتحاد الأوروبي بشق الأنفس وتفرض تكاليف باهظة على الاقتصاد العالمي.
والتحرك السريع مطلوب الآن. فالصيف لايزال في بدايته. وما لم يوفر المجتمع الدولي بديلا واضحا، فمن المتوقع أن يتزاحم المزيد من المهاجرين على متن سفن متهالكة ويخاطرون بحياتهم للوصول إلى أوروبا. ومن أجل إنسانيتهم وإنسانيتنا، حان الآن وقت وقف المذبحة.
ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص لشؤون الهجرة الدولية والتنمية،