مسقط -ش
رسمياً بدأ رفع العقوبات الاقتصادية على إيران، مما يعني تحرير نحو 100 بليون دولار أمريكي كانت محتجزة في مصارف غربية، وتحرير التجارة بين إيران والدول التي كانت تلتزم بالعقوبات لا سيما الأوروبية منها. فضلاً عن إطلاق حركة اقتصادية كبيرة بينها وبين دول الجوار من شأنها أن تعوض بعض الخسائر التي منيت بها تلك الأسواق بسبب انخفاض أسعار النفط. لكن السلطنة تبدو المعنية الأساسية في هذا القرار، بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يجعلها محطة أساسية للتجارة بين إيران والعالم لا سيما الأسواق الأفريقية وحتى الأوروبية. من دون أن ننسى الدور الكبير الذي تولته السلطنة في مسار المفاوضات ما يمنحها امتيازاً كبيراً في هذا المجال.
حجم التبادل التجاري
لكن حجم التبادل التجاري لم يرتق أبداً إلى المستوى المطلوب بين إيران والسلطنة وذلك بسبب معوقات كثيرة يتعلق بعضها مباشرة بمسألة العقوبات، التي كانت تفرض بعض القيود، إذ لم يتجاوز حجم التبادل بين البلدين عتبة البليون دولار، وهو ما يجب العمل على تحسينه في الفترة المقبلة لا سيما بسبب حاجة كل من البلدين إلى تنويع الاقتصاد بسبب التدهور الكبير في أسعار النفط، وفي ظل ترجيحات بتدهور أكبر بسبب عزم إيران على رفع إنتاجها من النفط في الأشهر المقبلة.
وخلال السنوات الفائتة حافظت السلطنة على علاقات ودية بين مختلف دول الجوار ومن بينها إيران، والآن تبرز الحاجة إلى استثمار تلك العلاقات في دعم مختلف القطاعات المحلية بما يتماشى مع الخطة الخمسية التاسعة التي أُقرت مؤخراً، وتهدف إلى تنويع وتنشيط الدورة الاقتصادية الكاملة في البلاد.
وكانت إيران قد أعلنت أن البلاد بحاجة إلى استثمارات أجنبية تصل إلى حد الخمسين بليون دولار لتحقيق نمو بنسبة 9 في المئة، ما يعكس انفتاحاً إيرانياً كبيراً على الخارج من الممكن أن تكون للسلطنة حصة كبيرة فيه.
فرصة تاريخية لا تعوض
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة الثقة الدولية للاستثمار أحمد كشوب إن أمام السلطنة فرصة تاريخية قد لا تتعوض، لفتح الجسور الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، لا سيما أن إيران تحتاج إلى بناء علاقات تجارية قوية مع الجوار الذي يعاني من مشكلات عدة، فتعتبر السلطنة الملاذ الآمن وأكثر استقراراً اقتصادياً وسياسياً في المنطقة، ما يجعلها تضع السلطنة على رأس أولوياتها، غير أن السرعة مطلوبة لا سيما أن العروض الأوروبية والشركات الغربية تنتظر على الأبواب لتملأ هذا الفراغ الكبير الممتد سنوات عدة.
ويشير كشوب إلى أن إيران تعتبر من الأسواق الكبرى في المنطقة، ولديها إمكانيات اقتصادية كبيرة، في مجالات عدة، ولا بد من العمل معاً من أجل استثمار هذه الفرصة لصالح البلدين.
ويؤكد كشوب أن على الحكومة في السلطنة أن تقرر ما الذي تريده من الاقتصاد الإيراني: الترانزيت، تنشيط الموانئ، السياحة، الصناعة القطاع الصحي؟ كلها قطاعات من الممكن الاستفادة منها، لكن تحديد حاجة السلطنة وتوضيح الرؤية الاقتصادية للعلاقات بين البلدين من شأنه أن يحقق تطوراً ملحوظاً في الأعمال والاستثمارات. ويتابع أن ثمة فرصة الآن متاحة لتنشيط الموانئ الإيرانية، وقطاعات التصدير والتصنيع وإعادة التصنيع والصناعات التحويلية والبتروكيماوية، فضلاً عن التعدين وكلها قطاعات تدعم المصانع في الدقم وصحار، وتدعم التصدير، والاقتصاد الوطني.
تطوير السياحة
كما يمكن الاستفادة من القطاع الصحي حيث الإمكانيات الإيرانية الكبيرة، وبالتأكيد يمكن تطوير القطاع السياحي مع إيران، إذ يمكن أن تشكل السلطنة وجهة سياحية مريحة للإيرانية لكن هذا يتطلب منا أن نراجع بعض إجراءات التأشيرات والهجرة التي تشكل عائقاً كبيراً أمام سفر الإيرانيين إلى السلطنة بسبب الأوضاع التي كانت مرتبطة بالعقوبات. فضلاً عن أن السياحة الإيرانية في عُمان من شأنها أن تؤمن إيرادات كبيرة للاقتصاد، من دون أن ننسى أن السياحة هي من ضمن القطاعات التي ترد ضمن الخطة الخمسية التاسعة للتنمية الاقتصادية في السلطنة.
ويشير كشوب إلى أن إيران الآن بحاجة إلى تطوير اقتصادها والبنية الأساسية، وأن تسد النقص الذي كان يشوب بعض القطاعات الداخلية، ويمكن اعتبارها الآن ورشة قائمة، لذا لا بد من الاستفادة من هذه الأمور، وزيادة حجم الصادرات إلى إيران، وحتى الاستثمار فيها، لكن ذلك يستلزم التحرك الفوري لدراسة الفرص المتاحة وتحديدها، لا سيما أن جميع الأنظار تتجه الآن إلى الداخل العماني وثمة شركات عالمية بدأت باستطلاع الظروف الاقتصادية هناك لكي تحجز حصة مبكرة فيها.
تحسين الاستثمار المتبادل
وعن جهوزية السلطنة يقول كشوب إن اللجنة العمانية الإيرانية سبق أن وضعت الكثير من التقارير والدراسات، التي من شأنها تحسين التبادل التجاري بين البلدين، لذا حان الوقت لأخذ آرائها في الحسبان لا سيما أن لديها تصورا كاملا لنقاط الضعف والقوة ولإمكانيات الاستثمار المتبادل.
ويؤكد كشوب أن السلطنة حالياً تحتاج إلى الاستثمارات والأموال الأجنبية، ومن الممكن أن تكون الاستثمارات الإيرانية جزءاً كبيراً منها، لكن هذا يتطلب مراجعة سريعة لإجراءات الاستثمار والمعوقات التي تواجهها، لا سيما أن الاستثمارات الأجنبية داخل السلطنة هي على قائمة أولويات الحكومة، وحاجة اقتصادية لا يمكن التفريط فيها.
تحرير تصدير النفط
ويتابع كشوب بأن رفع العقوبات عن إيران سيحرر تصديرها للنفط ما يؤدي إلى تراجع أكبر في الأسعار، لكنه يتوقع أن يأخذ هذا الإجراء حتى 6 أشهر، ومن الممكن أن تقوم السلطنة بدور أساسي حتى في التفاوض من أجل تحديد حجم الإنتاج لوقف هذا التراجع الكبير، مستفيدة من العلاقات القوية مع إيران، مما يساهم في تخفيف الضغط على اقتصاد الوطنين واقتصادات الدول الخليجية كافة. ويختم بأن السلطنة من الممكن أن تشكل بوابة إيران إلى العالم، إذا ما استطعنا فعلياً الاستفادة من قرار رفع العقوبات.
إذن السلطنة أمام فرصة تاريخية، للاستفادة من رفع العقوبات على إيران، ولتنويع اقتصادها وتنشيط التبادل التجاري معها، ودعم الموانئ وقطاع النقل والخدمات اللوجستية، فهل نكون جاهزين للاستفادة من تلك الفرصة؟.