محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
يقال إن دور الإعلام الكشف عن حقائق لا نقل وقائع..
الأول عملية شاقة تتطلب مجهودا، والثانية أصبحت، في عصر التقنية، ما أسهلها، إذ يغلب الجانب الوصفي، فيما تتطلب الحقائق بحثا وتمحيصا، وتضع أمام ضغط المساءلة، وفي بلداننا العربية، ولا أقول بلادنا فقط، يمكن سحب أوراق جاهزة لإدانة الصحفي، داخل المحكمة أو خارجها، من بينها الإساءة لسمعة البلاد، أو الخروج عن العادات والتقاليد، مع تصوير المجتمع على أنه كان ملائكياً قبل أن يحدث هذا الفعل الشنيع.
ومعظم وسائل إعلامنا اتخذت مسار السلامة والأمان، والأسباب شتى، فبعيداً عن "وجع الرأس" أو اقتراباً من "الجهات المعلنة"، ووصولاً إلى جوهر العلاقات العامة بحيث لا يقترب المنشور من أي تأثير على "الصحبة الطيبة" و"حسن السيرة" بين الممسكين (بعنق) المؤسسة الإعلامية والجهة التي يمكن الكتابة عنها.. بكشف الحقائق لا نقل الوقائع، والثانية تتم غالباً عن طريق مهندسي "المديح" في مديريات الإعلام، وهي تجد كل ما تتمناه من صحافتنا، نشر الخبر حتى دون مراجعته.
بعد عام 2011 تفاءلت، شخصيا، بميلاد صحافة تمتلك قوة الدفع للسير نحو صحافة مغايرة، أقول مغايرة حتى عن الجوار الإقليمي، مع طرح موضوعات جريئة أوضحت مساحة الحرية المتاحة محليا، رغم الالتباسات الممكنة في رؤية كهذه، إنما الحرية بحث دؤوب وصبر، لا مجرد محاولة صغيرة خنقت فتوارى الصحفي متعللا بعدم وجود.. حرية!
لا يمكن إغفال المساحة المتوافرة، ولا يمكن أيضا تغافل تمايزنا في كثير من جوانب حرية الصحافة عن دول أخرى في المنطقة، حيث المساحة لدينا أشد اتساعاً، لكن التعويل على القدرات الذاتية للصحفيين هو ما يقود إلى الحديث عن تراجع "المستوى" و"النضج" في السير بهذه المساحات المفتوحة إلى حدود أبعد، بما يكفي لإنضاج التجربة وإكسابها الوعي بدلا من المراهقات الكتابية التي تقفز أحيانا، دون تقديم "حقيقة" بل "انتقادات" تضرب ذات اليمين وذات الشمال، بينما المسؤول "خالد مخلد" كأنما الأمر لا يعنيه.. فقط لأنه لم يحدث كشف حقيقي لمخالفات، والخشية دوما من أن الصحفي سيقف "وحيدا" في قاعة المساءلة، وكما يكرر البعض "عندنا أولاد نريد نربّيهم".
هي الحرية.. هي (الانتقاد) أو (الكشف عن حقائق)؟
ما بين القوسين الأولين سهل، بخاصة لكاتبي الأعمدة اليومية (مثل تجربتي هذه) لكن الكشف يغدو عملية مضنية تتولاها أقسام التحقيقات في الصحف، حيث أنف المخبر أكثر ضرورة من رغبة الصحفي، وما نشر عن "مخالفات التعيينات" ليس إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد، وببساطة متناهية فإن أي مواطن بسيط يبحث عن "واسطة" لتعيين ابنه أو أخيه، لكن كما قلت سابقا فإن الكعكة تمتد إليها الملاعق، على اختلاف مقاساتها، وكل يأخذ منها بحسب قدرته، وسعة ملعقته، لكن في وجود إعلام قادر على كشف الحقائق سيخرج الأفاعي من جراباتها، وأرى أن ذلك ضرورة لإعلاء صوت دولة القانون والعدالة، مهما بدت "التشنجات" تهز المفاصل القديمة في "اهتراء" الجهاز الإداري العام.