سوريا واوروبا والإرهاب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٤/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٠٣ م
سوريا واوروبا والإرهاب

ناتالي نوغايريد

بينما تنشغل أوروبا الى حد الانهماك في الاستفتاء المزمع في المملكة المتحدة تتواصل الأزمة التي تلحق الضرر الأكبر بالقارة بلا هوادة وأعني بها الحرب في سوريا. فعلى أعتاب أوروبا مباشرة ما تزال سوريا تحترق. لقد حان الوقت للاعتراف بأن جهود السلام التي تبذلها الولايات المتحدة وروسيا قد فشلت فشلا ذريعا، وفرصة حدوث تغيير في القضية مع تولي الرئيس الأمريكي الجديد مهام منصبه في أوائل 2017 هي محض تخمين. ووقد حان الوقت الآن تماما للأوروبيين للقيام بدورهم وواجبهم.
وإذا كان هناك من يعتقد أن قضية سوريا قد تراجعت، فلينظر مرة أخرى الى الهجمات الجوية واسعة النطاق من قبل روسيا والقوات الحكومية السورية، بعضها باستخدام البراميل المتفجرة والتي تنهمر فوق مدينة حلب المحاصرة، حيث يتم تدمير المزيد من المستشفيات وقتل الأطفال، وصور كل ذلك موجودة على الانترنت ولكننا لا نلتفت اليها. دعونا نواجه الأمر، لقد أصبحنا في حالة تبلد إزاء معاناة السوريين.
بيد أن تجاهلنا لسوريا يعرضنا للخطر، فالأجيال العربية والإسلامية القادمة في المستقبل، إن لم يكن اليوم، ستسأل الأوروبيون لماذا لم يفعلوا المزيد لمساعدة أمة من قبل أطراف الصراع . الواقع أن مصير أوروبا لا ينفصل عن الأحداث في محيط الجوار العربي بطريقة تختلف عنه بالنسبة للولايات المتحدة.
وفي مقابل كل لاجئي سوري قدم الى أوروبا وحظي بمعاملة لائقة، كم نجد من الذين تم رفضهم أو أضحوا عالقين في منطقة الحرب ممن يحملون مشاعر الاستياء تجاه أولئك في الغرب الذين فضلوا إقامة أسلاك شائكة أو تكبيل أيديهم؟
وفي معرض انشغالنا بالإرهاب وحصص اللاجئين، نحصر قلقنا في الآثار الجانبية بينما نتوقف عن التفكير في الأسباب الجوهرية، وهذه الأسباب ليست في الرقة، عاصمة "الخلافة" لتنظيم داعش ، بل هي في القصر الرئاسي في دمشق. معظم الناس في أوروبا تنظر الآن إلى سوريا على أنها في الأساس مشكلة مكافحة الارهاب، وحكوماتهم تشجع ذلك بإرسال طائرات حربية، وهذا أبسط كثيرا من معالجة واقع كارثة معقدة، بل أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث. لقد أحرزت الحرب على داعش تقدما مؤخرا، وأصبح التنظيم في سوريا والعراق في موقف دفاعي، ويبدو أن القوات الكردية والعربية المدعومة من الغرب في طريقها للسيطرة على المزيد من الأراضي. وهذا هو جزء فقط من الصورة، ولكنه الجزء الذي يفضل السياسيون الغربيون تسليط الضوء عليه. أما الجزء الآخر من الصورة الذي كان وراء الجزء الأكبر من تحركات اللاجئين من سوريا إلى أوروبا في عام 2015 فهي الحرب الداخلية التي بدأت في عام 2011 عندما أمر بشار الأسد قواته بفتح النار على المتظاهرين المسالمين الذين كانوا يطالبون بثورة ديمقراطية كما هو الحال في تونس، فقام الأسد، الذي كان يتلقى الدعم والمساعدة طوال الوقت من روسيا وايران بإطلاق سراح المتشددين الاسلاميين من سجونه، ليظهر للعالم صورة مواجهة بينه وبين المسلحين السنة.
وظهرت حالة من التطرف في صفوف المعارضة المسلحة في سوريا، ولكن هذا لا يعني أن يتم رفض المعارضة السورية. فلو أنها كانت مجرد حفنة من المتشددين الإسلاميين، لما جرت على الإطلاق محادثات تنطوي على اعتراف دولي بلجنة المفاوضات العليا المعارضة للأسد. وجرت المحادثات وأعلنت روسيا التزامها بها حتى بعد تدخلها العسكري في سبتمبر 2015. وكان من المفترض ان تؤدي المحادثات الى وقف الحرب الأهلية، ولكن ذلك لم يحدث.
ولنتذكر كيف أنه في ديسمبر الفائت، صوت مجلس الامن الدولي بالاجماع على قرار لإنهاء الحرب الأهلية وتشكيل حكومة جديدة في سوريا، واعتبر البعض أن الاتفاق خطوة رئيسية نحو السلام. وطالبت مجموعة دعم سوريا التي تضم 17 دولة بعملية تؤدي إلى تغيير سياسي في سوريا يقود الى حكم شامل غير طائفي وانتخابات حرة ونزيهة، وفقا لدستور الجديد في غضون 18 شهرا.
الآن يبدو أن كل ما تستطيعه الأمم المتحدة هو الانتظار حتى تسمح الحكومة بتوصيل المساعدات إلى المدن والمناطق التي تحاصرها. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وفي صورة أخرى مهينة للأمم المتحدة، كانت الحكومة تتأكد من عدم السماح بمرور سوى الشامبو المضاد للقمل والناموسيات واللقاحات الى بلدة داريا التي تقبع تحت الحصار منذ عام 2012. وقبل أيام وصلت بعض المواد الغذائية في النهاية لتتصدر عناوين الصحف كما لو كانت انجازا كبيرا، غير أن 600 ألف سوري ما يزالون تحت الحصار.
لقد قيل الكثير عن القوة المتراجعة للولايات المتحدة، وربما يكون من الصعب عدم الاتفاق على أن الحل في سوريا لن يكون إلا إذا في وجود قدر من التعاون من روسيا. وعلى الرغم من إعلان موسكو انسحابها في شهر مارس إلا أنها ترسخ من تواجدها في الصراع، مستفيدة من اعتقاد جازم أن إدارة أوباما تسعى الى تجنب المشاركة قدر الإمكان.
ومن خلال نشر الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي، أقامت روسيا منطقة حظر للطيران تناسب مصالحها الخاصة ومصالح الحكومة ، وليس لحماية المدنيين. والمؤكد أنه بعد شهور من الجمود الدبلوماسي، من الواضح أن الشيء الوحيد الذي قدمته روسيا في سوريا هو المزيد من الهجمات ، كما هو الحال في حلب، حيث تتركز الغارات الجوية في الأسابيع الأخيرة، وليس في معاقل تنظيم داعش في الشرق.
وربما تتضاءل القوة الأوروبية أمام نظيرتها الأمريكية إلا أنها تظل موجودة وفاعلة إذا تضافرت جهودها للعمل معا.
والمؤكد أن أوروبا لديها الكثير على المحك في سوريا أكثر من الولايات المتحدة وذلك بسبب التأثير المباشر على السياسة والأمن الداخلي جراء الحرب. وإدراك هذه الحقيقة يجب أن يكون في مقدمة أولويات الأوروبيين قبل أن يفوت الاوان. أما الجارة روسيا فعلى أوروبا أن توجد لنفسها قوة لمجابهة بوتين الذي تمر بلاده بموقف اقتصادي متأزم. وربما كان الحديث عن عقوبات أوروبية جديدة على اساس موقف روسيا في سوريا. بالطبع لا توجد حلول سهلة، ولكن طالما أن الولايات المتحدة وروسيا وحدهما على طاولة المفاوضات، سيكون ذلك على حساب المصالح الأوروبية، ناهيك عن أولئك المدنيين السوريين.

كاتبة مقال رأي بصحيفة الجارديان