تمويل داعش من تجارة الأثار

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/يونيو/٢٠١٦ ٢١:١٠ م
تمويل داعش من تجارة الأثار

فيونا روز جرينلاند

فرص واحتمالات الإكتشافات الأثرية في العراق وسوريا مدهشة ليس فقط للباحثين وعلماء الآثار ولكن أيضا للمهربين واللصوص مثل داعش. ويرجع سجل الاستيطان البشري الى حوالي 9 آلاف سنة قبل الميلاد ما يعني أن باطن الأرض يعج بآثار ربما تفوق الحصر. وفي سوريا وحدها يوجد نحو 4500 موقع أثري معروف فيما يقدر علماء الآثار أن الموجود بالفعل أكثر من ذلك بكثير.
ويبدو أن الجميع متفقون على أن تنظيم الدولة يقوم بعمليات حفر وتنقيب للكشف عن التحف الأثرية وبيعها لكسب المال، إلا أنه لا يبدو أن أحدا يتفق على عوائدها من تجارتها غير المشروعة في الآثار، وثمة تفاوتا شاسعا في التقديرات تنزل بها الى 4 مليون لتصل الى 7 بليون دولار.
ورغما عن وجود عدد من التحديات يعمل فريق بحثي من جامعة شيكاغو لعمل مخطط توضيحي لتجارة الآثار في العراق وسوريا، وتحديد إطار تجارة تنظيم داعش في الآثار، فضلا عن تقدير دقيق لعوائد داعش وغيرها من الجماعات المسلحة من بيع تلك الكنوز الأثرية.
ويضم المشروع المتعدد عدد من علماء الآثار وعلماء الاجتماع، وقام بصياغة مجموعة جديدة من البيانات المستمدة مما تم نشره في السابق حول أعمال الحفر وتقارير مبيعات المزادات. وباستخدام هذه البيانات نقوم ببناء أداة تقدير الإيرادات والتي يمكن أن تعطينا فكرة أفضل عن حجم تلك التجارة.
والواقع فإن معرفة العمليات أو الوسائل التي ينهجها تنظيم داعش في الكشف عن الآثار واستخراجها وبيعها لا يقل أهمية عن قياس الربح. والمؤكد أن الآثار تتعرض لعمليات نهب وتجارة غير مشروعة في كافة أنحاء العالم، وتتفاوت الآليات والهياكل وفقا للسياق الثقافي والسياسي. وفي تنظيم الدولة تنطوي عملية تجارة الآثار على ثلاث خطوات أساسية وهي الحصول على إذن بالحفر من سلطات داعش وتقييم الأعمال الفنية من قبل مختصين ثم نقل القطع الأثرية الى السوق الدولية (بما في ذلك الى تركيا على سبيل المثال لا الحصر) وفي مرحلة ما في هذه العملية يفرض تنظيم الدولة ضريبة على الآثار القابلة للبيع يقال أنها 20 في المئة. وهناك العديد من التفاصيل لم تحدد في هذا المخطط إلا أنه يوفر صورة أساسية لتدفق التجارة غير المشروعة في الآثار.
ودراسة هذه العملية توفر معلومات هامة لواضعي السياسات الذين يحاولون قطع مصادر تمويل الإرهاب وحماية الأشياء ذات الأهمية الثقافية. وعلى سبيل المثال فنحن نعلم أن عمليات البحث والتنقيب تجري بشكل غير قانوني في مواقع الآثار السورية والعراقية منذ عقود من الزمن، وهزيمة داعش لن يضمن نهاية نهب الآثار، ولكن في حال عدم وجود بدائل اقتصادية ستظل عمليات النهب مصدر دخل للنظام المقبل.
كما أن دراسة العملية تكشف عن مشكلة سياسية على المستويين الإقليمي والدولي. فعلى المستوى الإقليمي توجد منافسة بين تنظيم الدولة وجماعات مسلحة أخرى على نهب القطع الأثرية، أما على المستوى الدولي، فالجهود المتفاوتة لتغيير السياسات الثقافية أو تفعيل وفرض الموجودة منها تكشف عن خلافات حول كيفية وضع لوائح تنظيمية لاستخدام المواد الأثرية على مستوى الدولة وفي الأسواق الخاصة.
ورغما عن وجود هذه الخلافات لسنوات، إلا أن أزمة داعش قد سلطت الأضواء عليها وثمة حالة من عدم الثقة بين العلماء والعاملين في المتاحف والمشاركين في التعاون بين كتل تجارة الآثار القانونية على تبادل البيانات بما قد يعزز معرفتنا. ويظل موضوع الربح جانبا جوهريا في الدراسة.
ويمكن القول أن وضع تقدير ثابت للتجارة أمر بعيد المنال في ظل وجود الكثير من الجوانب المجهولة التي تمثل مشكلة مألوفة لأي شخص يدرس السوق السوداء.
كما أن ثمة عدد آخر من التحديات تكتنف دراسة تجارة تنظيم داعش في الآثار أهمها عدم توفر بيانات بكمية موثوقة حول تجارة الآثار القانونية في المنطقة، ناهيك عن التجارة غير القانونية وعدم معرفة أنواع الآثار التي كانت موجودة عند الحفر بالإضافة الى عد توفر منهجيات لتقدير الايرادات لهذا النوع من السلع.
إلا أننا تمكنا من الوصول الى أفضل معالجة لمعرفة حجم الاموال التي يمكن أن يحصل عليها تنظيم داعش من وراء الإتجار غير المشروع في الآثار، وعلى سبيل المثال قمنا بتقدير القيمة السوقية الإجمالية التي يمكن تقسيمها بعد ذلك إلى تدفقات مالية منفصلة.
ومن القيمة السوقية الإجمالية يمكننا أن نقسم العوائد من الناحية النظرية بين ثلاثة من أصحاب المصلحة وهم اللصوص وتنظيم داعش والتجار. ويبدو أن تنظيم داعش يشارك في المراحل الأولى من عملية الإستخراج والتجهيز ما يشير إلى حصوله على نسبة ضئيلة من الأرباح الإجمالية. ورغما عن أن التقديرات التي قامت على الدراسة أقل بكثير من تقديرات سابقة وصلت بهذه العوائد الى 7 بليون دولار، إلا أنه من المرجح أن مكاسب داعش تصل الى عدة ملايين من الدولارات تكفي لتمويل الكثير من الأنشطة الإرهابية.

باحثة في جامعة شيكاغو، متخصصة في الآثار الرومانية وعلم الاجتماع المقارن التاريخي